استشاط الجميع غضبا. منهم من حاول مغادرة المطار لكن تدخل قوات الأمن كان سريعا دون عنف. قدم إلينا ضابط المناوبة و أقنعنا بعدم جدوى مغادرة المطار الآن لأن موعد حظر التجوال أصبح ساري المفعول ابتداء من الساعة العاشرة. أما من حاولوا اقتحام أبواب الإدارة فقد تم صدهم عنوة.
- لا تحاول يا أخي . في هذه المرحلة أياك أن تستعمل العنف فالكل يعيش على أعصابه و أي تجاوز سيلقى ردا عنيفا...تأجيل الرحلات يحدث أيضا في أكبر المطارات في الدول المتقدمة.
لم يكد الرجل الذي جاوز الخمسين من العمر يكمل كلامه حتى حاصره المسافرون الغاضبون و هم يصيحون في وجهه:
- هذا واحد منهم.إنه من الحس المدني.
- لباسه يدل عليه. إنه يعمل مع الدولة. قفوه إنه مسؤول.
تراجع الرجل بعد أن شعر بأن الأمور تكاد تخرج عن السيطرة فانقلب على عقبيه ينتقد قرارات الشركة و لولا أن تدارك نفسه لشتم حتى رجال الأمن الذين احاطوا به لحمايته من الجموع الغاضبة من كلامه.
انسحب الرجل إلى مكان و أخاله ندم أن فتح فاه للكلام.
توجهت مع الجمع الغاضب إلى بوابة إدارة الخطوط الجوية الجزائرية محاطين برجال الشرطة الذين كانوا يتوسلون إلينا عدم استعمال العنف. بعد لحظات خرج علينا رجل بدا في الستين من العمر و هو يرتدي بدلة أنيقة تدل على أنه مسؤول كبير بالشركة فاخذ يطلب منا الهدوء بفرنسية جميلة حاول أن يخلطها بكلمات عربية حتى يفهمه الجميع كما قال.
- ظروف قاهرة هي وراء التأخير. أمنحوناربع ساعة أخرى لا أكثر و ستغادرون الى الطائرة دون انتظار.أرجوكم.بهدوء.
انتفض الجميع في وجهه مشككين في وعوده.
- كيف نصدقكم و أنتم تتلاعبون بنا منذ السابعة. لسنا أطفالا. ألا تشعرون بهؤلاء الأطفال الأبرياء و أمهاتهم؟ ويحكم.
صاح أحد الشباب و هو في قمة الغضب بلهجته السكيكدية. ثم تبعه آخر و هو يهدد بارتكاب جريمة إذا لم تقلع الطائرة في الحين.
- كلا يا أخي. لا داعي لمثل هذا الكلام. انتظروني دقيقة.
رفع جهاز الللاسلكي و أخذ يستمع إلى ما بدا أنها تعليمات من مسؤوليه .
-حسنا ..أدخلوا الى قاعة الانتظار. ستصعدون للطائرة. هيا من فضلكم. أسرعوا.
هرع الجميع الى بوابة قاعة الانتظار فيما طلب المسؤول من الشاب الذي هدد بارتكاب جريمة إن لم تقلع الطائرة أن يتريث. أخبرني الشاب لاحقا أن المسؤول لامه على ما قاله ثم شرح له الوضعية البائسة التي يعملون فيهاخاصة في ظل حظر التجوال و قوانين الطوارئ. شعر الشاب أنه أخطأ في حقه فاعتذرمنه و أسرع إلى قاعة الانتظار.
دخل الجميع إلى قاعة الانتظار فرحين مستبشرين بحل مشكلتهم. نظرت الى الساعة فوجدتها تشير الى العاشرة و النصف. كان علينا أن ننتظر ربع ساعة أخرى قبل أن تتوقف حافلتان أمام قاعة الانتظار ثم قام احد مضيفي الطائرة بفتح باب القاعة و يطلب منا الصعود إلى الحافلة. كان الجو ماطرا و شديد البرودة.فعلق أحد المسافرين على ذلك قائلا:
- اتصلت بعائلتي في قسنطينة منذ قليل فأخبروني أن الثلوج بدأت تتهاطل على المدينة.
سمعت كلامه فبدأت فرائصي ترتعد لأن ملابسي أنا القادم من أسخن بقعة في العالم كانت خفيفة جدا.
تحركت الحافلات لتتوقف أمام طائرة البوينغ بعد برهة . نزلنا بانتظام لنقوم بالتعرف على حقائبنا كإجراء وقائي قبل أن يتم شحنها على الطائرة. صعدنا إلى الطائرة و أسرع كل واحد إلى حجز مقعده و كأنه غير مصدق أنه سيسافر بعد قليل. اخذت مكاني بجانب النافذة قبل أن يستأذنني أحد المسافرين بأخذ مكاني بجانب النافذة لأنه تعود على الجلوس هناك.
- انا أيضا متعود على الجلوس بجانب النافذة.
أجبته قبل أن أركز في ملامحه فإذا به أحد الأساتذة الذين كنت أحترمهم و أقدرهم كثيرا حين كنت طالبا بمعهد اللغات بجامعة قسنطينة.
- تفضل ياشيخ.
- شكرا جزيلا .سامحني على الإزعاج.
- دونت مايند يالشيخ.
-و هل تعرفني؟
-طبعا يالشيخ. ألست أستاذ اللسانيات بكلية اللغة الإنجليزية بجامعة قسنطينة؟ الشيخ بغول؟
- آه. أنت من طلابي...كنت أسأل نفسي أين شاهدتك من قبل؟
- لا يا شيخ. لم أكن أبدا من طلابك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق