السبت، 17 أبريل 2010

الجسر

بحثت عنها لأكثر من عشرين سنة و أخيرا عثرت عليها
من اروع الاغاني التي سمعتها للمبدع اللبناني مارسيل خليفة
قصيدة رائعة بالقاء رائع تصاحبها موسيقى و لا أروع لأغنية الجسر
القصيدة بعنوان


أنصار



لاسلاك الشائكه .. الخيام المنصوبه
الكشافات .. الأبراج .. الحرس
مدينة جديده يسكنها الآف الرجال .. مدينة للخوف والقهر والظمأ
اسمها معسكر أنصار
معسكر بعيد .. ننساه أو يريدون منا أن نتناساه
ونعيش في معسكرات أعتقالنا الصغيره
هذا المعسكر البعيد يمتد فوقنا بظلاله
بالأصوات التي تأتي من خلف الأسلاك
كأننا جميعنا هناك .. أو كأن هناك هنا
كأن كل شيء يدخل في كل شيء
فنصير نحن الأسرى .. ونصير الأنصار
آلاف الرجال .. جاء بهم الجلاد من المدن والقرى والمخيمات المحتله
قادهم بعيونهم المعصوبه .. وأيديهم المغلوله .. وساقهم من عذاب الى عذاب
وكانت رحلتهم طويله
في هذه المدينة المعسكر .. يعيش الآف الرجال حياة الأنتظار
يحتالون على الزمن وينتظرون .. يعيشون ويحلمون .. يحاولون أن لا ينسوا
يحفرون في ذاكرتهم ذاكرتنا الجديده .. حكايات الجلاد والضحيه
يحفرون في ذاكرتهم ذاكرتنا .. من أجل أن لا ننسى ولن ننسى
انصار هي اليوم حكاية الجنوب اليومي .. بعضهم يخرج من معسكر الأعتقال
ليعود إليه
وبعضهم لا يخرج .. وبعضهم سيخرج .. وبعضهم سيدخل
كأنه صورة مصغره من الجنوب اللبناني
او صورة مصغره عن هذا العالم العربي الشاسع .. الصامت ..الفاقد قدراته على الكلام .. او على الأحتجاج
لكنهم في أنصار هناك وسط الشتاء والبرد والأمراض .. يصرخون
أخبار انتفاضاتهم بدأت تخرج من وراء الأسلاك
عيد الأضحى .. بدايةُ موسم الأمطار .. عيد الأستقلال .. وأنتفاضات أخرى لا نعرف عنها
لكن .. أصوات طلقات الرصاص التي يسمعها الفلاحون تخبر عن وجودهم
في عيد الأستقلال كانوا العيد الحقيقي .. غنوا الأناشيد .. أشعالوا الألياف .. حملو المشاعل
كانوا أكثرنا حريه .. كانوا أجمل من حريتهم المسلوبه
كانوا يشعلون ذلك اللهب الذي يحاول الأحتلال أن يخنقه
في أنصار حياة كاملة منسيه .. حياة جيل وأجيال .. عرفت في هذا الزمن المعنى الحقيقي للأحتلال


انا الرجل الوحيد أنظر ولا أرى .. هم يسألون وانا أجاوب .. او لا أجاوب
صلبوني .. قالو أصلبوه
صلبوني ولم يكن الصليب .. وما كانت امرآه
صلبوني وكانت الشمس .. الشمس تسقط على الأرض
وانا أسقط ووجهي يلتهب .. انا رجل من انصار
انا الذي رأى .. الظلمة تحيط بي .. العينان غارقتان وأرى .. كنتم جميعاً هناك
الزمن في جيوبكم .. والأغنيات على أصابعكم
والموت غارق قي ثيابكم .. رأيتكم .. كنا سوياً .. لم يتخلف أحد
حتى الذين سقطوا .. ولم يجدو من يدفنهم .. جاؤو
عندما أوقفونا ونادو على الرجال .. رأيتهم ينهضون .. ينفضون الغبار عن ثيابهم
يمسحون بقع الدم باكمامهم .. ويجيؤون
وحين أخذونا وربطوا عيوننا .. رأينا كل شيء
وعندما عطشت كثيراً .. فكرة في العيون التي غادرتها .. ولم أبكي
ومن حفرةٍ الى حفرة .. مشيت معكم .. ومن محقق الى محقق .. لم أنسى
لن أنسى وجه الفدائي وهو يموت
وجه رجل من صور كان غارق بثيابه .. ثم سقط ككمشة ثياب مجعلكه
وجه طفل من قانا .. كان مليئاً بالأشواك .. وعيناه تائهتان بالبعيد
لم أنسى .. لن أنسى
وجوهكم ووجه البحر .. وانا هناك
انا رجل من أنصار
حيث الأيام تغرق في الأيام .. وحيث الأسلاك تنغرس في العيون ..وحيث العيون أوسع من الأرض
هنا نبدأ .. الرحلة ابتدأت .. أصواتنا تعلو .. الأسلاك تعلو .. ورصاصهم يعلو
فمتى تجيؤون أيها الأصدقاء ....


هذا المعسكر المدينه .. يحاول أن يبحث عن أشكال لأستمرار الحياة
الأهم .. أن الأسرى يحاولون أن بنتظرو .. وينتظرون أن يكون هناك .. في نهاية نفق الأنتظار الطويل .. من يقف وينتظر عودتهم
لذلك لماذا نبتعد عنهم .. لماذا ننساهم أو نتناساهم
ننساهم لأن الخوف دفع الناس الى العيش ضمن الحد الأدنى .. ضمن أقل من الحد الأدنى ..
هو اللحظة المسيطرة في زمن الأحتلال .. ننساهم لأن الحروب الداخليه ما تزال تآكلنا وتنهشنا
ننساهم لأن المذابح تفرخ مذابح
ننساهم لأن الموت الذي يجتاحنا .. الموت الكثير الذي لا يتوقف .. يريد تحويلنا الى مجرد أشباح
تعيش تحت ظلام الأحتلال .. او الخوف من الأحتلال
ننساهم .. لأننا نسينا أنفسنا .. نسينا وجوهنا وايدينا
ولأننا ننسى .. وعلى الرغم من أننا ننسى .. فهم لا ينسون
في أنصار عيون .. انهم معكسر العيون الجائعه .. الى الحب والحريه
في أنصار .. أيديٍ ما تزال مرتفعة .. وتقود حريتها وبحثها عن الحريه
في أنصار أسرى .. لا يعترف بهم كأسرى
بشرٌ .. لا يعترفُ أنهم بشر
في أنصار كلكم .. كلنا .. في أنصار
كلنا ندخل معهم الخيام الصغيره .. المنخفظة .. ونعيش الذل اليومي
ولم يعد لنا من خيار .. سوى أن نجعل من قمصاننا أعلاماً
ومن أجلنا نحن .. من أجل الذين ما يزالون خارج الأطار الأسلاك الشائكه .. المضروب حول أنصار
من أجل ان لا تتحول الى كذبةً كبيره .. هذه الأرض لنا .. ولن نسمح أن تتحول الى سجننا القاتل
من أنصار الى بيروت .. يمتد نفق الأنتظار .. ومن أنصار الى بيروت يقف رجال وظلالهم تمتد
ستغطي لبنان كله

ليست هناك تعليقات: