الخميس، 28 يناير 2021

ليلة رعب في قسنطينة -2-

 

" تشرع طائرة الخطوط الجوية الجزائرية في الهبوط بمطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة لذلن يرجى من المسافرين الكرام ان يبقوا جالسين في مقاعدهم وربط أحزمتهم."  كانت كلمات مضيف الطائرة كافية ليصمت الجميع استعداد للمغادرة الطائرة بعد رحلة شاقة دامت أكثر من خمس ساعات.  ناديت على مضيف الطائرة لأسلمه مجلته لكنه رفض أخدها طالبا مني الاحتفاظ بها. شكرته على كرمه وودعته متمنيا له نهاية أسبوع مريحة.

        نزلنا من الطائرة لنستقل الحافلة التي ستقلنا الى بهو المطار. كان الجميع يسرع الخطى سألت عن السبب فأخبرني أحدهم أن حظر التجول ما زال ساري المفعول وأن الوضع الأمني ما زال متدهورا. أخبرته أني سأغادر إلى جيجل فهز حاجبيه لم أعرف هل رفقا بي ام شفقة علي ام تعجبا.

- كان الله في عونكم يا الجواجلة. جيل جوهرة الشرق تدفع ثمن طبيعتها الساحرة.

- من بكري اخي. هل تعلم انها آخر منطقة سقطت تحت نير الاستعمار الفرنسي في الشرق؟

- كلا. لا أعرف سوى أنها كانت أحد أكبر معاقل الثورة.

-لا ننكر دور المناطق الأخرى في المقاومة لكن جيجل سقطت في 1849 أي بعد سقوط قسنطينة وميلة وسطيف وسكيكدة. ومع ذلك لم تنل حقها من الاعتراف.  لا تزال كتب التاريخ تشير اليها على انها منطقة الشمال القسنطيني وليس منطقة جيجل.

- لديك حق في ذلك. هذا بطر للحق. على كل حل يبقى حديث ذو شجون. سررت بمعرفتك.

- الشرف لي...ربما سنلتقي يوما ونكمل الحديث.

- بربي ان شاء الله. تحياتي.

-سلام.

      استعدت حقيبتي واسرعت الى مكتب الحجز لرحلة قسنطينة على الساعة السابعة مساء ذلك اليوم. الرحلة تدوم أقل من نصف ساعة في طائرة البوينغ. الساعة الثامنة سأمتطي سيارة اجرة الى حي 20 اوت حيث تقيم عائلة ابن العم إسماعيل بوفليغة. هكذا فكرت وقدرت.

       منحني موظف الحجز تذكرة ارفقها بابتسامة عريضة وهو يقول:

- عندك زهر يقطع يا خو. هذه آخر تذكرة متوفرة على هذه الرحلة.  هي آخر رحلة إلى قسنطينة. أسرع وادفع حقيبتك. لم يبق وقت كثير.

- شكرا جزيلا.

       أسرعت الى الاصطفاف في طابور طويل بعدما سمعت موظفة الاتصال وهي تطلب عبر مكبر الصوت من المسافرين على رحلة العاصمة -قسنطينة الالتحاق فورا بقاعة الانتظار. بقي الجميع ينتظر أمام باب قاعة الانتظار المغلق إلى أن خرجت علينا بعد نصف ساعة سيدة في الأربعين ملأت وجهها بكل مساحيق التجميل لتخبرنا ان الرحلة تم تأجيلها إلى حين. قالتها وهي ترطن بفرنسية باريسية.

       أعدت حساباتي مجددا. لنفرض أن الطائرة ستقلع على الثامنة. سأصل الى حي 20 اوت بقسنطينة على التاسعة. يمكن لباب العمارة أن يبقى مفتوحا وسأصعد بكل سهولة الى الطابق الرابع حيث يقيم ابن العم.

     رجعت الى بهو المطار لأشتري جريدتي لوسوار دالجيري والمساء لأنهما تصدران في المساء وأخبارها طازجة فوجدت أن صفحاتها ملئتا بأخبار الاغتيالات والخراب فأعدتهما الى مكانهما وقفلت راجعا أريد قاعة الانتظار. إنها الساعة الثامنة وبابها ما زال مغلقا. صاح أحد المسافرين قائلا:

- متى صدقت وعود الخطوط الجوية الجزائرية؟

وتبعه آخر متذمرا:

-لا يكلفون أنفسهم حتى إفادتنا بوقت الرحلة.

قلت لهما اننا دفعنا ثمن التذاكر. يفعلون بنا ما يشاؤون. لو كان الدفع مثل سيارة الأجرة أي الدفع بعد الوصول لما تجرأوا علينا.

- والله عندك الحق. ربما لو كانت هناك شركة نقل أخرى تنافسها لحسنت هذه الشركة خدماتها. كما يقول المثل بالعربية '' خلا لك الجو فبيضي واصفري"

     نفذ صبري بعد أن أخبرني أحدهم ان أحد الموظفين بالمطار قال له أن الرحلة تم تأجيلها الى الساعة التاسعة.  نظرت الى الساعة فوجدت إنها تشير الى الساعة التاسعة. كانت الرحلة المتوجهة الى وهران آخر رحلة مبرمجة من مطار هواري بومدين. هرع المسافرون عبر الرحلة الى قاعة الانتظار بعد ان علموا بقصة رحلتنا. فتح موظف الخطوط الجوية في إدخال المسافرين الى قاعة الانتظار بعد ان قاموا بتسليم امتعتهم. خلا المطار الآن إلاّ من المسافرين الى قسنطينة.

    سيطر الغضب على الجميع فاندفعوا نحو باب قاعة الانتظار فخرج عليهم موظف بالمطار يطلب منهم الصبر لأن المشكلة ستحل بعد قليل ولا يوجد داع للتوتر وتحطيم الأبواب ورفع الأصوات. دخل الموظف بعد أن فشل في تهدئة الأوضاع. مرت بعدها ربع ساعة لينتبه الجميع الى شاشة عرض الرحلات. رحلة قسنطينة اجلت الى العاشرة و النصف ليلا.

ليست هناك تعليقات: