كنت الى زمن قريب شغوفا بسماع أغاني "الشعبي" العاصمي . الأغاني عبارة عن قصائد شعرية ذات قافية بلغة عربية دارجة يفهمها عامة الشعب . أما عن المواضيع فغالبا ما تتنوع بين مدح الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام و الدعوة الى الاستقامة , الرثاء و الغزل.بدأت سماع هذا النوع من الغناء في سبعينيات القرن الماضي حيث انتشر هذا النوع من الغناء بفضل التلفزيون الجزائري حيث كان يفتتح برامجه يوميا على الساعة الخامسة مساءا بآيات من القرآن الكريم تليها مباشرة أغنية شعبية و كأنها طبق الافتتاح. اشتهر بهذا النوع من الأغاني مطربون عاصميون كالشيخ محمد العنقة , دحمان الحراشي, عبد الرحمن القبي , بوجمعة العنقيس و اعمر الزاهي.

و مثل الحراشي اشتهر مطرب عاصمي آخر يدعى عبد الرحمن القبي و عرف بأغاني الوعظ و الأرشاد يلفها في قصة خيالية تظن حين يؤديها بتأثر شديد أنه إمام يخطب في الناس من منبر مكي و أن القصة وقعت فعلا. واظبت على الاستماع اليه و الى أغانيه الوعظية خاصة أغنيته عن الوالدين الى أن شاهدت يوما شريط فيديو لإحدى حفلاته و فوجئت به و هو يتعاطى لفافة المخدرات على المباشر. سألت عنه فيما بعد فعرفت أنه مجرد عامل أمي بسيط في شركة لصنع الشاحنات بالجزائر.
أما بوجمعة العنقيس فقد تخصص في أغاني المديح و بعض الأغراض الأخرى التي تعتبر المستمع عبارة عن جاهل غافل ينبغي تنبيهه و تحذيره من الآخرين . و الطريف في هذا الفنان أنه في الحفلة الواحدة يلبس ثوب الفنان الورع فيؤِدي أغنية "الوفاة" التي تتحدث عن وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم ثم يتبعها بأغنية عن جلسات الخمر في أغنية "ديرو الأواني" ثم يتبعما بأغنية "الساعة الأخيرة" التي تتحدث عن أهوال الساعة و القيامة ثم يختمها بأغنية في وصف الخمر. استمعت الى الفنان في حوار تلفزيوني فوجدت مستواه كمستوى التاجر الأمي الذي يبيع التحف الفنية جنبا الى جنب مع الأواني البلاستيكية ومواد التنظيف و مبيدات الحشرات.

يبقى الشعبي , رغم ما يؤخذ على بعض فنانيه من أمية و انحراف, أحد أهم الطبوع الغنائية في الجزائر. بفضله حافظ على الجزائريون على ميراثهم الثقافي و قيمهم الإجتماعية. فليس غريبا إذن ان يلقب الجزائريون مطربي الشعبي بالشيوخ و هو لقب لا يطلق إلا على من بلغ من العلم مرتبة ثم ساهم في نشره. فقد تعدى دور مطرب الشعبي في بعض الفترات دور الإمام لأن دور الوعظ و الإرشاد كان محصورا في المسجد فقط أما شيخ الشعبي فهو يعظ في كل مكان إذا وجد من يستمع اليه بالطبع.
المقنيــن (البلبل) الزيـــن
يـا صفــر الجنحيــن
يا حمــر الخديـن
يـا كحيــل العينيــن
هادي مدة وسنين انت في قفص حزين
تغني بصوت حنين
لا من يعرف غناك منين
كي تغني تتفكر ليام لي كنت فيهم حر
تفرفر فالهوا طاير و تعرّش فالشجر
منين راد ربي الحنين
تحكمت من ذوك الجنحين
لا ما ولا قوت بنين
يا المقنين الزين
اللي ما جربش لمحان ما يجيبلك خبر
واللي ما عرف قيمتك يا طير يشويك على الجمر
اللي مقدّر من عند ربي لازمو الصبر
يـا صفــر الجنحيــن
يا حمــر الخديـن
يـا كحيــل العينيــن
هادي مدة وسنين انت في قفص حزين
تغني بصوت حنين
لا من يعرف غناك منين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق