السبت، 4 يناير 2020

غضب الايرلندي


دخلنا الى المحل و كم كانت دهشتي كبيرة عندما وجدت ان المحل لا تضيئه سوى شمعتين اوشكتا على الانطفاء. رحب بنا البائع و كان أكثر ترحيبا بالسائح الاوروبي. لم أجد ما كنت أروم شراءه فالمحل كان خاويا الا من بعض علب الكبريت , السجائر,  البسكويت و السكر و الشاي. كان البائع الترقي بصدد طبخ الشاي على الجمر في زاوية مظلمة من المحل. طلبت من البائع كأس شاي و علبة بسكويت و علبة سجائر. سلمني علبة البسكويت و كأس الشاي أما السجائر فقال انه لم يتبقي له الا خمسة سجائر فقط. سلمت له مبلغ الحساب و انتويت الخروج عندما أستوقفني الايرلندي.
-- سيدي, ألا يوجد غير هذا المحل؟
-- هذا هو المحل الوحيد المتوفر حاليا قبل الوصل الى وجهتنا.
-- مستحيل..غير معقول؟ 658 كلم في صحراء ضخمة كهذه لا يوجد سوى هذا ال...كيف أسميه ؟هذا ليس محلا .
--هون عليك يا سيدي...نحمد الله ان وجدنا هذا. 
-- ماذا تقول؟ انتم راضون عن هذه الوضعية ؟ 
   أردت ان أخبره عن ما يعانيه هذا الشعب بسبب رفضه للوضع و لكني أثرت الصمت . و كأنه فهم ما أردت ان أقوله.
-- أعذرني يا سيدي...أقسم انن لو كن نملك في ايرلندا ربع ما يملكه بلدكم هذا لأصبحنا أقوى دولة في العالم. يا سيدي بلد بكل هذه المقدرات لا يملك فندقا واحدا على طريق طوله 1058 كلم. مستحيل.
     شعرت أن السيد يعاتبني و كأنني مسؤول عن هذا الوضع فقلت له:
 -- سيدي من انت بصدد معاتبته ليس سوى مدرسا بإحدي ثانويات هذه الصحراء..خذ لك كاس شاي واتبعني لتعرف الحكاية.
    أخذ كأسه و أشعل سيجارة و عرض علي أخرى.لم أرفض العرض فسيجارة ونستون لا تقاوم إذا كانت  في جيبك سجائر ريم القاتلة. شكرته و خرجنا نقصد السيارة لكننا وجدنا السائق و بقية المسافرين يغطون في نوم عميق. لم يطق الارلندي الانتظار فبادرني قائلا.:
-- ما ذا أردت أن تقول خارج المحل؟ ما هي قصتك؟آسف إن سببت لك حرجا او مشكلا.
-- لا ..فقط وجب الحذر مما تقول.
--طيب و ما حكايتك؟
--   كما تعرف انا من الشمال و اشتغل في سلك التعليم هنا في الصحراء و انا منذ امس في عطلة لمدة أسبوعين.
-- صحيح .انت لا تبدو من الجنوب. صحيح فعلا لكن لماذا لم تذهب الى الشمال؟ أأحببت الجنوب لهذه الدرجة؟
-- أحببت الجنوب؟ اتمازحني؟ أنا أنتظرت العطلة بفارغ الصبر لأزور والدتي في جيجل. جيجل حيث أقيم في شمال شرق الجزائر. مدينة ساحلية من اجمل ما قد تراه عينك.
-- آه تذكرت. فهمت الآن .تقصد الوضعية الأمنية .فعلا حذرتني مصالح بلدي قبل القدوم الى الجزائر.أكمل
-- قبل العطة باسبوع اتصلت بوالدتي لأطمئن عليها لكنها فاجأتني بطلبها مني عدم الذهاب الى هناك. الوضع الأمني تدهور بشكل رهيب و لا يمر يوم إلا و يقتل فيه رجال أمن أو مواطنون مساندون للحزب المحظور.
-- تقصد حزب الاسلاميين ؟
--نعم . 
-- و ما دخلك انت؟ أنت مدرّس و لست رجل أمن و لا يبدو عليك أنك إسلامي فانت تدخن و تتكلم الانجليزية معي دون مشكل.
--هنا المشكلة . أخي الأوسط  يشتغل في  سلك الأمن اما أخي الأكبر فهو من انصار الحزب المحظور و تم اعتقاله و اطلاق سراحه بسبب ذلك.
-- أعتُقل لأنه ناشط في هذا الحزب؟
-- لا اعتقلوه لأنه كان يحضر حملاتهم الانتخابية.
--لا أفهم يا سيدي . وما شانك انت في كل ذلك؟
--الانتقام .أصبح كل طرف يصفي حساباته مع الطرف الآخر باغتيال أفراد عائلات الطرف الأخر.
--فهمتك الآن. يعني أن الاسلاميين قد ينثقمون من أخيك رجل الأمن بتصفيتك أنت.
-- و العكس صحيح ...رجال الأمن قد ينتقمون مني لأني أخ لأحد أنصار الاسلاميين.
-- أوو..وضعيتك صعبة فعلا...ليتني أستطيع مساعدتك...عذرا ما كان يجب على ان اتحدث معك بذلك الشكل. 
--لا تثريب عليك. جهود الدولة الآن منصبة على استعادة الأمن بدلا من تحسين الأوضاع الاقتصادية. كما ترى فالسياحة تضررت كثيرا بسبب الوضع الامني.
-- تقصد انه لا يمكن الاهتمام ببناء المرافق السياحية طالما لا يوجد سياح.
--بالضبط . الجدوى الاقتصادية ضرورية قبل اطلاق أي مشروع. الأموال مخصصة الآن لحماية المنشأت الاقتصادية قبل أي شيء آخر.
-- ما قرأته عن بلدكم قبل قدومي تحدث عن تدهور الأوضاع في الشمال و ليس في الجنوب.
--الأمر سيان . لقد تأثر الجنوب بما يحدث في الشمال. الاعلام عندكم يتحدث عن الجزائر كبلد واحد و ليس الجهات المعنية بالارهاب فقط.
-- صحيح. حتى نشرات التحذير االتي تصدرها وزارة خارجيتنا تحذر من السفر الى الجزائر.
-- نحن بلد مغبون في كل شيء. هل تصدق انه حتى جيراننا يسيئون إلينا حتى يسترجعوا السياح الذين اعتادوا السفر الى الجزائر.
-- عذرا . ماذا تقصد بالضبط.
-- قبل أيام كتب صحافي جزائري مقيم في باريس عن ظاهرة منتشرة بين سواق الطاكسيات التونسيين المقيمين في فرنسا.
-- و ما ذا يفعلون؟
-- تصور ان اي زبون يستقل سيارتهم يسلمونه قصاصات الجرائد التي تتحدث عن المجازر التي تحدث في الجزائر.
-- و لماذا يفعلون ذلك؟
-- الأمر واضح ..لدفعهم لزيارة تونس حيث يوجد الأمن و الآمان حسب اعتقادهم.
   أنهيت كأس الشاي مثلما فعل رفيقي الارلندي قبل أن ينتبه الى أنه دخن كل السجائر التي كانت في علبته. أراد أن يكمل الحديث بعد أن يستخرج علبة من حقيبته. ما إن فتح باب السيارة حتى استيقظ احميدة و نادى علي مباشرة
- الشيخ؟...هيا اطلع ...مابقي وقت .
--

ليست هناك تعليقات: