الجمعة، 31 يناير 2020

الوصول.


   
شكرت احميدة على موقفه خاصة بعد توقفه. نزل الآخرون و اغتسل الجميع. الرحلة متعبة فعلا خاصة إذا كانت المشاهد تتكرر امام ناظريك. الساعة تشير الآن الى التااسعة صباحا.  يبدو ان فصل الشتاء في تمنراست لا يختلف عن ذلك الذي نعرفه في جيجل شمال الجزائر. كثيرون قالوا لي أن الطقس في تمنراست يشبه ذلك الذي نعرفه في الساحل.معتدل في الشتاء و غير ساخن جدا في الصيف.
 -- سوف نستمتع بشمس هذا اليوم في تمنراست .أليس كذلك يا مستر حسن؟
-- اعتقد ذلك يا لوركان. الطقس هنا في تمنراست معتدل و بامكانك ان تتخلى عن الملابس الشتوية في النهار. هكذا قيل لي.
-- آوه..أحب ذلك...نحن نعاني في ايرلندا ..الضباب و المطر هناك يستمران لمدة طويلة. إنه يجعل أيامنا بائسة.
--هو نفس الطقس في بريطانيا. أليس كذلك؟
-- بالفعل..ممطر و كثيف الضباب. يبعث على الكآبة لذلك تجدهم لا يكثرون المزاح هناك..مزاجهم يتأثر بالطقس.
-- نحن في شمال نيجيريا نعاني من طقس حار جدا في الصيف. يمكن للحرارة ان تبلغ أرقاما قياسية في كادونا شمال نيجيريا...لا آحب ذلك. استمتعت بالطقس في مغنية شمال غرب الجزائر. الجو هناك رائع..يقولون انه نفس الطقس الذي يسود في اسبانيا.
-- هل ستعود إليها ؟
-- نعم . لن أفقد الامل في الهجرة الى أوروبا. سأعمل المستحيل....
    كنت بصدد إشعال سيجارة عندما أوقفني احميدة مستعجلا الركوب و الانطلاق صوب وجهتنا. صعدنا جميعا الى السيارة و انطلقنا من جديد صوب تمنراست. استغل مرافقنا النيجيري الصمت الذي أعقب ركوبنا ليكمل لنا خطته للهجرة نحو اوروبا.
-- سوف أعود لكادونا أتفقد عائلتي و أعمل لأوفربعض المال للعودة مجددا إلى مغنية. سأحاول تعلم حرفة إصلاح السيارات. لابد أن أحصل على خبرة كافية. تعلمت في الجزائر بعض الحرف كالبناء و الفلاحة لكنها متعبة.
-- واش بيه هذا السوداني يالشيخ؟ واش راه يحكي؟
-- حاب يروح لأوروبا يا حميدة...الدودة نتاع الهجرة كلات له مخه.
-- عنده الحق يالشيخ..والله تحير في الدنيا هذه. الايرلندي ما يحب يقعد في بلاده. المالي هذا مسكين رايح جاي من مالي للدزاير. هذا النيجيري حاب يروح لاسبانيا. أناحاب نروح لهولندا. انت حاب تروح لفرنسا.
-- حكينا فيها ياحميدة. الانسان مسافر رغما عنه. الانسان ليس بشجرة . كل واحد فينا يشوف في الخير ماشي تحت رجليه و إنما بعيد عليه.
-- والله كاينة يالشيخ. نعرف واحدة تعيش هنا في الصحراء من هولندا . خلّات كلشي في هولندا و جات شرات خيمة و استقرت هنا في جبال الهقار. أنا وصّلت لعندها  صحافيين هولنديين من قناة هولندية و صوروها و حكاو معها. والله حيرتني.
-- ما زالت هنا؟
-- ما زالت. والله  يالشيخ جاء حتى السفير الهولندي لعندها.. وصّلتهم بنفسي.. حابين يرجعوها لبلادها...قالتهم والو...كرهت من هولندا.. هنا في الهقار خير ...والله تحير
-- ما تحير ما والو..منين تلقى راحتك هذيك هي بلادك...إمالا على بيها حاب تروح لهولندا ياحميدة..درت معرفة معاهم؟
-- واش بغيتني ندير...رحت ليها مرة ...عجبتني بزاف.
-- و علاش ما ريحتش؟
-- ما نقدر نخلي اولادي بلاش. نستنى يبدا وليدي يخدم و نروح. قالت لي هذه الهولندية تعاوني..راني داير فيها مزية..نقضي لها الحوايج اللي تحتاج كل سمانة...موصي عليها التوارق...عاجبها الحال.
-- هذا مشروع كبير يا احميدة. على كل حال ربي يسهل.
-- رانا قريب نوصلوا. شوفنا الايرلندي هذا إذا كان عنده وين يبات؟
-- راه يقولك رايح يبات فالاوتيل..شوف له برك طاكسي مليح لعين قزام.
-- بربي ان شاء الله...شوفوا اذا كان باغي يشري حوايج للذكرى.
--قالك العشية تروح لعنده منين يبات و تتفاهموا.
   أخرج لوركان مذكرته و طلب مني منحه عنواني  ثم مزق ورقة صغيرة و كتب لي عنوانه فيها.
 --  هذا عنواني في دبلن بايرلندا. هذا عنوان العمل و هذا عنوان السكن. لاتتردد في الكتابة إلي.. سررت بمعرفتكم جميعا. سأعود يوما ما . لن أنسى هذه الرحلة . ساكتب عنها عندما اعود الى إيرلندا. اتمنى لكم السلام لبلادكم. تستحقون الأفضل.
  نزلنا من السيارة و اخرج كل واحد أمتعته. اخذ كل واحد وجهته بينما عاد إلي إيغابي النيجيري صافحني ثم قال لي 
-- استمتعت كثيرا بالسفر معكم. لقد أخذ هذا الاروبي عنوانك. لكن دعني أقول لك يا سيد حسن. نحن بالنسبة لهؤلاء كسواق الطاكسي و عمال الفنادق. يلتقون بنا و يتحدثون إلينا و بمجرد ان نفترق ينسوننا مباشرة. طاب يومك. سلام 
-- شكرا. حظ موفق...سلام


ليست هناك تعليقات: