الثلاثاء، 28 يناير 2020

زوار الليل

   
وصلنا إلى إنيكر التي تبعد عن تامنراست 170 كلم. كنت أعتقد انها منطقة حضرية بسبب وجود اللافتة لكن اكتشفت أنها كمنطقة آراك التي توقفنا بها من قبل. بعض الأكواخ الحجرية منتشرة هنا و هنا مع بعض الجمال المرابضة أماما تدل على وجود حياة ما هنا. أوقف حميدة شريط الكاسيط و بدأ يبحث عن إشارات المحطات الإذاعية. إنها أخبار الصباح من إذاعة الجزائر. الأخبار تتحدث عن أختطاف طائرة فرنسية بمطار هواري بومدين ومقتل شرطي جزائري بالمطار. المفاوضات مع الخاطفين جارية على...
   --حبّس علينا الله يرحم والديك يااحميدة.
  -- والله ياشيخ عندك الحق..ما تسمع إلا ما تكره..الحالة والله ما تعجب صح.
  -- و السيد يقولك روّج للسياحة؟ كيفاش تروّج للسياحة و مدخل الجزائر من الجو غير آمن؟
     التزم احميدة الصمت  بعد أن أغلق المذياع كأنه لم يجد إجابة لسؤالي رغم أن سؤالي كان موجها في الأساس للوركان.
     قررت ان أتوقف عن الكلام و ذهبت بخيالي إلى هنالك في الطاهير حيث والدتي. كنت سافرت في عطلة الخريف الماضية و لا زلت أتذكر ليلة وصولي. كان الظلام يُخيّم على المدينة باكرا كما الخوف. الكل يدخل مسرعا الى بيته لأنه لا يعرف إن كان إسمه ضمن قائمة الذين سيزورهم قتلة الليل. "الموت غالبا ما ياتي الى الطاهير في عتمة الليل او مع انوار الصباح الجديد" قال لي صديقي عبد المجيد ذات يوم. يجب ان تحضر نفسك جيدا له. قد تكون جماعة من الارهابيين الذين ينتقمون من العسكر و اهاليهم او قد تكون جماعات الدفاع الذاتي التي راحت تتنقم من عائلات الجماعات الارهابية الموجودة في الجبال. كان يوجد في حينا من ينتمي إلى هؤلاء و أولائك.    
     تناولت عشائي باكرا على غير العادة بعد ان رفضت أمي خروجي الى مقهى صديقي ياسين وسط مدينة الطاهير. '' والله ما خرجت'' . أقسمت علي بأغلط الايمان أن لا أترك البيت في هذا الوقت من الليل. صليت العشاء و كنت بصدد سحْب المدفأة الى غرفتي حيث أنام و فجاة بدأ يعلو ازيز الرصاص في الخارج.  قفزت الى الأرض منبطحا بينما أسرعت امي إلى إطفاء أنوار البيت و لم تترك لي الفرصة حتى ألتحق بالفراش. 
   -- أطفئ الشوفاج - المدفأة - و ارواح نرقدوا مع بعض. ما تباتش وحدك. 
   -- علاش؟ واش كاين؟
   -- انت كنت في الصحراء يا بني..هكذا هي الحالة يوميا. هذه طريق اصحاب الجبل من هنا يهبطوا الى الطاهير و من هنا يطلعوا للجبل.
  -- و كيفاش على بالكم؟
 --الناس يشوفوهم يا بني..ربي يستر..علاش ما قلتش باللي جاي والله و اخبرتني ما نخليك تحط رجليك هنا.
 -- تواحشتكم يا يمّا.حتى  في عين صالح ما تقدرش تريح هاني و انت تعرف واش صاري هنا.
 -- الله لا تربح السياسة ...هي وصلتنا لهذه الحالة. الخوف يا بني داير حالة.الناس تموت و ما على بالهاش علاش.
 -- صح يا يما...والله سمعت و انا في عين صالح بالاستاذ العراقي البوسطجي الله يرحمه. قتلوه قدام الثانوية..مسكين والله العظيم كان رايع. حتى السياسة خاطيه.
   سكت ازيز الرصاص  وعم المكان هدوء لم يطل أمده. طلبت مني والدتي ان التزم الصمت فهناك حركة خارج البيت..سمعت أنا أيضا حركة أقدام تجري في الشارع ثم اقتربت شيئا فشيئا من باب بيتنا. ثم سمعنا طرقا على الباب..طرقا خفيفا ثم بدأ يزداد عنفا.
ساد البيت صمت رهيب اما أمي فقد كدت أسمع دقات قلبها من الخوف. شعرت انهم علموا بقدومي من الصحراء فجاؤوا من أجلي.
لحظات و سمعنا حركة داخل فناء البيت. قلت في نفس لقد تسلقوا الجدار و قفزوا إلى داخل المنزل. الموت يقترب مني. فتشوا المطبخ. ''إنهم هنا'' قال أحدهم. '' العشاء طايب. هذا وين تعشاو.الكسرة ما زالت سخونة''. أقترب أحدهم من الباب وضربها بقوة. نهضت امي مفزوعة و أرادت فتح الباب لهم فصحت بأعلى صوتي '' حبّس''
   و استيقظت فجأة على صوت السائق وهو ينظر إلي فزعاَ
 -- خير يالشيخ ..واش كاين؟آش خلق ليك؟
-- بسم الله الرحمن الرحيم..والو غير الخير.
-- استغفر مولاك يالشيخ ..كاش ما شفت في المنام؟
   توقف السائق على جانب الطريق بينما استيقظ الجميع على صوت صرختي. نزل احميدة من السيارة و أحضر لي كوبا من الماء. 
--اشرب يالشيخ..باين  عليك كنت تخلط في المنام.


ليست هناك تعليقات: