الأحد، 19 يناير 2020

لوركان وسرُّحبِّ السفَر

   
إعتقدت أنه بذهاب العساكر سنتحرك نحن كذلك باتجاه تمنراست لكن السائق طلب منا أن نتريث قليلا.
-- هذا وقت صلاة الصبح الجماعة. نتوضاو و نصلوا . القبلة راهي باينة
   توضأنا ما عدا إيغابي النيجيري و لوركان الايرلندي فقد بقيا امام النار التي بدأت تخبو جذوتها قليلا. صلينا الصبح جماعة و عدنا الى مكاننا امام النار فالبرد مازالت سياطه تلفح وجوهنا و أيدينا خاصة بعد ان توضأنا و بللناها. 
      نظر إلي لوركان و أشار بيده الى الساعة يريد أن يسأل عن سبب تأخر السائق في مواصلة الرحلة نحو تمنراست. كنت بصدد سؤال احميدة عندما شاهدت سيارة رباعية الدفع تخرج من بين الصخور و تأتي مسرعة لتتوقف بجانب سيارتنا. نزل منها شخصان فتحا الباب الخلفي و أخرجا منه علبتين من الكرتون  و سلماها لحميدة فوضعهما في سيارته  قبل أن يسلمهما بدورة كيسا متوسط الحجم. كان كل كلامهما باللغة الترقية لم أفهم منه شيئا سوى كلمة "تانمرت نواً" أي شكرا لكم. و "أكساط " بمعنى '' أحذروا''.
     فهمت كما فهم أبو بكر المالي - لأنه ترقي- أن الأمر يتعلق بالتهريب. إنطلقت سيارة المهربين بسرعة و تلاشت بين الصخور بعد أن أشار عليهما حميدة بالذهاب عكس إتجاه سيارة العساكر حسب ما فهمت أيضا. بعد أن تمت اجراءات التسليم و الاستلام طلب منا احميدة الاستعداد للانطلاق مجددا. 
أخذنا أماكننا في السيارة و انطلق حميدة في رحلة دون توقف كما وعدنا.
   --اسأله  كم بقي لنا يا سيد حسن؟
   -- شحال مازال يااحميدة باش نوصلوا لتمنراست؟
   -- ما بقى ياسر...150 كيلو
   -- والله تعبناك معنا ياشيخ..من اللي ركبت و انت تترجم لينا وزيد ما رقدت قاع.
   -- روح برك يا حميدة ...ما بقاش بزاف و نوصلوا.
   -- على ربي...والله محيرني هذا القاوري ياشيخ ...ما زال باغي نعرف علاش جاي للصحراء مع الشيئ اللي صاير عندكم في التل ...والله ما وقت السياحة.
   --ساهلة...نسقسيه و نقولك.
  -- لوركان؟السائق يحب ان يعرف لماذا جئت لبلد يعيش كل هذه المشاكل الأمنية؟
  -- حسنا..هذا السؤال الذي يتكرر على مسامعي منذ وصلت الى الحدود المغربية و منها الى هنا. 
  -- و كيف تجيب عنه؟
  -- هي قصة طويلة يا حسن..هل لديك الصبر الكافي لسماعها.
  -- طبعا ...كل آذاني صاغية لك.
  -- كل ما أفعله الآن سببه تأثير أبي...كان أبي أنيقا, قويا , يملك كاريزما خاصة  لا يكل و لا يتعب. كنا نقدره ونوقره بلا حدود.  لم تكن هنالك مشاكل في حياتنا. كان فلاحا واختار أن يبقى كذلك. كان يستمتع بمهنته بشكل عجيب. كان يتناغم مع أرضه و يحب حيواناته و يرعاها بحب كبير أيضا.  كان مثاليا و يرفض الإخلال بالقانون مهما كانت المنفعة. رغم محبته للصيد كان يرفض ممارسته خارج اوقاته المحددة و كان يرفض استعمال الأسمدة و الكيماويات في مزرعته حتى لو كان المدخول أقل. كان يرفض منح أدوية لحيواناته لتسمينها و يرفض شراء البذور الهجينة غير الطبيعية.
  -- عذرا على المقاطعة..و لكن ما علاقة ذلك بزيارتك للجزائر في هذا الوقت بالذات؟
  --آه...لوصبرت قليلا كنت سأجيبك. لقد علّمنا أبي لماذا كان يفعل ذلك و لماذا كان يجب علينا أن نتبنى نفس المُثُل التي كان يتبناها.  تصور أنه كان يستيقظ منتصف الليل لتفقد حيواناته. كان يوقظني في عز الشتاء لاساعده في ذلك. ''عندما تحب شيئا او شخصا ياولدي يجب ان تظهر ذلك''..هكذا كان يقول لي. "اناأحب هذه الحيوانات ولذلك يجب أن أظهر ذلك". و رغم أني كنت أكره أن أستيقظ في وقت متأخرمن فصل الشتاء و أترك فراشي الدافئ من أجل تلك الحيوانات لكن والدي جعلني احب ذلك فيما بعد. كنا ننتهي من تلك المهمة فنجلس أمام الموقد ليفسر لي كل شيء يفعله و لماذا. كان يحدثني عن الحروب التي شارك فيها أجدادي و هو شخصيا و ماذا تعلّمه منها. كان يحدثني عن الأماكن التي زارها و الناس الذين قابلهم.
-- طبعا حدثك عن الجزائر و لذلك انت هنا.
-- فعلا... حدثني عن رالي باريس - الجزائر داكار و مشاركته في هذا الرالي. حدثني عن ما استفاده من رحلاته حول العالم  و لماذا السفر حول العالم مهم بالنسبة لي. لقد زرعت في نفسي تلك الحكايات حب السفر و الحاجة إليه. 
-- و كم بلدا زرت لحد الآن؟
-- أكثر من 30 بلدا و انت ؟
-- انا؟ لا يهم .
-- هيا ...صارحني
-- ستضحك علي
-- لا تخف.
-- بلد واحد فقط.
-- اوه. أنا أبلغ من العمر الآن 30 عاما ..و انت؟
-- 26 عاما.
-- ما زال أمامك 4 سنوات و تحطم رقمي.
                                                                                  يتبع-



ليست هناك تعليقات: