استمر حميدة السائق في قيادة السيارة رغم أني أخرجت السيجارة و وضعتها في فمي. لقد فهم غرضي لكنه كان يخطط لشيء آخر. التوقف هنا مضيعة للوقت والجهد قال لي فيما بعد. فكرت كيف أن أجعله يتوقف عن طرح تلك الأسئلة المفخخة فقلت في نفسي لماذا لا تبادره انت بالسؤال و تجعله يجيب بدلا من أن يسأل؟ وجدت السؤال لكن صديقه العربي ابن الشرفة استيقظ و تذكر أين توجد شريط الكاسيط الذي استلفه منه.
-- احميدة...شوف في الباب منين الشيخ...راه كاين كاسيط علة البشاري ...راني جبتولك.
-- آه يا صاحبي..وعلاش ما قلتليش من الاول بلي عندك. هاتوالشيخ يرحم الله والديك ..هاهو في على يمينك في الباب.
ناولته الشريط ولم أكن أعرف عن علة البشاري هذا شيئا. فقلت اسأله قبل ان يبادرني هو. بدأ الشريط فإذا به عبارة عن عزف على آلة العود.
-- وهذا ما رايحش يبدأ يغني؟
-- ههه...لا يالشيخ ...هذا العود ينطقه ... هذا لا يغني ...هنا في الجنوب نقول اللي ما يعرفش علة ما يعرفش بشار و انا نقول اللي ما يعرفش علة ما يعرفش الصحراء.
--و الله عمري ما سمعت به...عامين و انا هنا.
-- آش خلق ليك يالشيخ؟ هذا والله يداويو بيه المرضى النفسانيين في ألمانيا.
-- آووو..لهذه الدرجة؟
-- والله كيما نقولك يالشيخ...تعرف وحد النهار وجد الوالدة نتاعه ترحي القمح فالمهراس فأخذ العود و بدأ يعزف على إيقاع ضربات المهراس و من شدة تأثر معزة كانت بجانبه طاحت غاشية.
بدا لي أن ما يقوله صحيح فالموسيقى كانت رائعة خاصة في ذلك الظرف بالذات. السيارة بدت لي و كأنها تتجاوب مع تلك المعزوفات الرائعة فراحت تنساب بين تلك الجبال الصخرية السوداء كأنها حية رقطاء. الأمر لم يقتصر علي فقط فقد استيقظ السائح الايرلندي فجأة ليطلب من السائق ان يرفع من صوت المذياع. استجاب حميدة السائق له فرفع صوت المذياع و استدار جهتي بابتسامة ماكرة.
-- راني فهمتوا يالشيخ بلا ما تشرح لي ..قال لي زيد للمذياع.
-- و كيفاش فهمتها؟
-- والو ساهلة يالشيخ...كنت موالف نديرها للسواح و قاع هكا...تعجبهم مباشرة يقولوا ليا ...راديو بليز..نفهم نزيد الصوت.
--غاية...هكذا هنيتني.
-- والو يالشيخ ..ما قلتش ليا كيفاش نتعلمها.
-- انت ترقي صح؟
-- وهذي واش دخلها؟ يعني ما نقدرش ...انبوسيبل؟
-- لا ياحميدة ما قصدتش ..انا حبيت نقولك انك ترقي و تعلمت العربية و راك تتكلمها عادي.
-- والله ما فهمتك يالشيخ .
-- بما أن لغتك الام هي الترقية فالعربية لغة أجنبية بالنسبة اليك كالانجليزية...يعني أعرف كيف تعلمت العربية و طبق نفس الطريقة اللي تعلمت بها العربية تتعلمها.
-- تعلمتها على خاطر صحابي و جيراني كانوا يحكوا بالعربية..شوية شوية تعلمتها.
انتهى الشريط فقال الايرلندي لحميدة إن كان يملك نسخة منه فاجابه بنعم.
--شفت يالشيخ ..قلت لك راني نعرف و نفهم الانجليزية .بسرعة فهمت بلي طلب مني نقلب الكاسيط.
-- لا ...ما قالش هكذا ..اسرع راه يستنى فالجواب.
--واش قال الله يرحم الوالدين؟
--قالك إذا كان عندك نسخة أخرى من الشريط هذا.
-- والو ما عندي...بصح نبيع له هذه كي نوصلوا ..عندي بزاف فالدار...فهموا يالشيخ ...الله يرحم الوالدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق