الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

أجمل رحلة -3- سائق أم عميل؟

   مضت الآن ثلاث ساعات منذ ان أنطلقنا نحو تامنراست و ما زالت التضاريس هي نفسها.رمل على مد البصر و سماء زينتها النجوم و قمر منير يكاد يلامس الأرض. غياب المنعرجات يزيد الأمر رتابة. سائقنا حميدة و بعد أن يئس من التقاط الاذاعات يكسر بها الهدوء الذي يلف السيارة بالداخل و الخارج. حتى حركة السيارات غائبة إلا من شاحنة تمر بين وقت و آخر تذكرنا بأننا على كوكب الأرض و ليس على كوكب المريخ. وصلنا الى فج عميق بين جبلين صخريين.
 -- قطعنا الى حد الآن أكثر من 250 كلم و ما زال الخير للقدام. واش الشيخ سكت ...تبان ليا عييت و حاب ترقد.
 --لا ..ما زال ما عييتش ..ما زالت 400 كلم .
 -- قل لي شيخ و الله راني حاير فيك. علاش؟ درك نقول ليك...هاذو السوادين -يقصد الأفارقة رايحين لبلادهم و هذا القاوري رايح سور حواس ...و انتم المعلمين دخلتوا في عطلة. من المفروض تروح لجيجل ماشي تزيد تروح لتمنراست. والله حيرتني .
 --  و انت يا صاحبي والله رايح تخرجني من رحمة ربي. من الصباح و انت تسقسي فيا..علاش غير انا راكب معاك؟ ياك رانا في خمسة. 
-- بالدوام عليك يا شيخ...والو ..والله ما بغيتك تتقلق. مع من نحكي؟ هذاك صاحبي ولد الشرفة من اللي طلع و هو راقد...القاوري ما نعرف نحكي معاه بالانجليزية. السوادين هاذوك اللي فلاريار نعرف واحد فيهم من مالي ...جاي رايح...الثاني ما نعرفوش.  بقيت غير انت.
 -- يا صاحبي المشكل ماشي فالحكايات ...المشكل في الاسئلة اللي تطرح فيها.
-- والو...سامحني ...والله ما نبغي ننفش.
 -- ياك أنت قلت في الأول...جيجل فيها مشاكل.
 --آه فهمتك...إيه رانا نسمعوا في الاخبار ...كاينة الشيخ...شفت الباخرة هذيك اللي ذبحوا فيها البحارة الطليان في ميناء جنيجن.
 --ميناء جنجن ..ماش بعيد بزاف منين نسكن.
 -- أه خلاص فهمتك... و عندك منين تبات في تمنراست؟ إذا ما عندكش راني عندي دار. نكريلك يالشيخ و بسومة هايلة.
 -- لا..شكرا ...عندي وين نبات و ناكل.
   قلت في نفسي أني  فهمت الآن أين كان يريد الوصول. لكن اسئلته أدخلت  الشك في نفسي خاصة و أني كنت أعلم ان من أهم مصادر المخبرين هم سواق الطاكسي و الحلاقين. لم يتركني حميدة السائق ان أذهب بعيدا في خيالي و سرعان ما أعادني الى سيارته.
 -- قل لي الشيخ...سمعتك تتكلم مع السوداني و القاوري بالانجليزية..والله غيرتني يالشيخ..من صغري بغيت نتعلمها ...ما قدرت...كيفاش الواحد يتعلمها يالشيخ ؟
 -- واش تدير بيها ؟ حتى السياحة حبست و ما عندك مع من تتكلمها.
 --  والو...يالشيخ راك غالط ...كنت نربح ما شاء الله...ننقل السواح من عين صالح لتامنراست لعين قزام و الله كنت نربح ما شاء الله...تعلمت كلمات. شونج بالفرنسية...ماني اكسشنج  بالانجليزية ...ليرة كامبياري بالايطالية..كنت نكريلهم الدار في تمانراست و نبيعلهم التحف و الهدايا و الآثار.
-- الآثار؟ منين تجيبهم ؟
-- هي هي ...راني ترقي يالشيخ..نعرف الصحراء ...نعرف طرق التهريب...مات نهربش الأثار تاع البلاد...نجيبوهم من مالي و النيجر.
-- يعني انت تخدم مع المهربين؟ 
-- والو يالشيخ...أنا نبيع التحف اللي يجيبوها من مالي ..التماثيل تاع الخشب ...يجيبوها من السنغال...هايلة قاع...بصح عندنا عامين يالشيخ كولينا ..السياحة حبست..والله صعبت الحية..كي شفت القاوري هذا حرت كيفاش قمّر بروحه...ما قالكش وين رايح؟
هذا سائق و الا عميل مخابرات ..إنه يستدرج بطريقة عجيبة حتى أجيبه على كل الاسئلة..هذا تاجر ام مهرب ام عميل مخابرات أم سائق تاكسي؟ اسئلة تحتاج الى إشعال سيجارة للإجابة عنها. يجب أن نتوقف الآن. أنتهت مشاهد الرمال و دخلنا وسط الجبال السود.





ليست هناك تعليقات: