الاثنين، 30 ديسمبر 2019

أجمل رحلة -و تكلم الملثم-

   عاد الجميع الى النوم ما عدا الملثم ذي العينين الزرقاوين و أنا و السائق طبعا. كل ما كنت أراه امامي عبارة عن رمال تحيط بنا من كل جانب و كأننا في زورق يمخر عباب المحيط. استيقظ الافريقي الذي كان يقبع في الكرسي الأخير بعد ان اهتزت بنا السيارة بعد ان مرت فوق حفرة. لم  يجد المسكين  ما يقوله من هول الصدمة سوى أن يطلب من السائق ان يسمح له بتدخين سيجارة بفرنسية مكسرة.
   -- آش باغي أنت؟ تحرق لي كروستي...ممنوع ..امبوسيبل . attendez نوصلوا للطريق المريقلة و نحبسوا.
   -- quoi؟ que ce tu dis ؟
  تدخلت لأشرح للسائق ما قاله بعد أن رفض الرد عليه لكنه أكد لي أنه فهم ما قاله و أنه لايستطيع التوقف الأن. 
   -- شوف يالشيخ لو كان ندير لكل واحد رأيه والله ما وصلنا في ثلاث ايام.
    شعرت أن السائق محق رغم اني كنت اتمني ان يتوقف لأدخن سيجارة أنا أيضا.
    -- شيخ ؟  حبيت نسقيك اذا تسمح لي بيان سور.
     -- انت جيت من جيجل خليت البحر و الجبال و البرود و جيت لجهنم هذه...انت تتكلم الانجليزية علاش ما روحتش لاوروبا . والله يا شيخ و جيت كيفك لوكان راني في هولندا عايش.
     -- مكتوب ربي يا...
     -- حميدة ..يسموني حميدة يا شيخ
     -- و هل تعتقد اني لم احاول...زرت باريس مرتين قبل اربع سنوات من الآن. خلي نحصلوها في المكتوب.
     -- و علاش ما ريحتش يا شيخ.؟ زوج مرات تدخل باريس و تخرج منها؟ و الله مغربة.
     -- با ولدي قلت لك الظروف ما سمحتش...هاو بالذرع نهجر و الاكيفاه؟
     -- بالدوام عليك يالشيخ - يقصد بالعقل- رانا غير نقصروا
     -- دير مزية حبسنا ...جاءتني على سيجارة .
     خفض حميدة السائق السرعة و استجاب لطلبي. قلت للافريقي استيقظ لتدخن...لقد توقفت السيارة. نزل المسكين بسرعة بعد ان شكرني مرتين. أخرجت علبة الريم من جيبي و أشعلتها بلهفة بينما أخرج المسكين نصف سيجارة مستعملة فهمت لاحقا انه يحاول الاقتصاد. جلست على إطار عجلة قديم يستعمل كإشارة حتى لا يتيه السائقون العابرون لهذه الصحراء الكبرى. وقف الافريقي امامي و طلب الاذن بالجلوس. وافقت فجلس مباشرة على الرمل. 
     -- انت تتحدث الانجليزية بطلاقة ...انا من نيجيريا و من كادونا بالضبط. أسمي Igabi ..تشرفت بمعرفتك سيدي.
    -- أنا أحسن من جيجل..جزائري تشرفت.
    -- أنا أحاول الوصول الى أرويا عبر المغرب. الأمور اصبحت صعبة في الشمال خاصة في مغنية على الحدود مع المغرب.انا هنا منذ عامين و قمت بجميع الاعمال و المهن..لكن للاسف كثير من الجزائريين يستغلوننا و أحيانا يرفضون حتى دفع أجورنا و إذا اشتكينا يهددوننا بالشرطة لأنهم يعلمون اننا مهاجرين سريين و لا نملك الوثائق الضرورية.
  --  كيف وثقت بي؟ لدي شقيق  ضابط شرطة و يعمل في تامنراست. انتفض المسكين ووقف بعد أن ألقى السيجارة.
  -- عذرا سيدي عذرا عذرا أرجوك.لدي خمسة أبناء ينتظرونني في كادونا...انا متزوج واعيل عائلة بأكملها .
   نهضت من مكاني و هدات من روعه. القيت سيجارتي بعد ان أنهيتها. عرفت أن المسكين أطمأن لي بعد أن أيقظته ليدخن فأخرج ما في قلبه و كأنه كان بحاجة لمن يستمع لهمومه. التحق بنا الملثم ذو العينين الزرقاوين بعد أن سمعنا نتحدث بالانجليزية فطلب الاذن بأن ينضم إلينا. أخرج علبة الونستون و دشن السيجارة الأولى. نظر اليه الافريقي بنهم .
-- هل تريد واحدة؟
-- لو تكرمت سيدي...اوه شكرا ...شكرا
-- إسمي Lorcan ...ل. و ..ر ..ك....ا..ن ...من دابلن في ايرلندا...تعرفونها ايس كذلك؟
-- تشرفنا ...عاصمة ايرلندا الجنوبية...اهلا بيك.
-- صح ...انا في جولة عبر العالم...رحلتي بدأت من المغرب و ستمتد برا الى كينيا و من هناك الى اليابان.
فتح النيجيري فمه من هول ما سمع اما عيناه فقد كادتا تخرجان من وجهه. لقد وفر علي المسكين كل علامات الدهشة و الحسرة و نسي أن يطفيء سيجارته الفاخرة في المنتصف. كنت بصدد الجلوس متلهفا لأسمع المزيد من هذا الرحالة الايرلندي لولا أن نادى علينا السائق ان نسرع لأننا تأخرنا.

                                 -يتبع-

ليست هناك تعليقات: