كانت الساعة تشير الى العاشرة ليلا حين انطلق بنا سائق الأجرة الترقي من محطة الحافلات بعين صالح متوجهين الى تامنراست في احد أيام ديسمبر من عام 1994. السيارة رباعية الدفع كغيرها من سيارات الاجرة بالجنوب الكبير نظرا للمسالك الوعرة التي تتميز بها صحراؤنا. كانت عين صالح دائرة إدارية تابعة لولاية تامنراست لكنها تبعد عنها 658 كلم وهو ما كان يجبر قاطني هذه الدائرة لتسوية الأمور الإدارية في تامنراست. الطريق لم تكن معبدة بالكامل بسبب قدمها و تآكلها بفعل الحرارة الشديدة و زحف الرمال عليها.
سيارتنا اتسعت في ذلك اليوم لستة أشخاص و قد كانت من أروع الرحلات التي قمت بها في حياتي. الرحلة من عين صالح الى تامنراست تستغرق أكثر من 12 ساعة في صحراء خالية من كل مظاهر الحياة ما عدا نقاط توقف قد تعيدك 100 سنة الى الوراء.و لأن الفصل شتاء بارد والوقت ليل طويل و الوجهة بعيدة استسلم بعض المرافقين الى النوم مباشرة.أما غياب اعمدة إنارة تتيح المسافر التمتع بمشاهدة المناظر التي تمر عبرها السيارة و تشابه التضاريس و صمت المرافقين فدفع بالبقية الى فعل ما قام الآخرون.
أما أنا ففضلت البقاء مستيقظا خاصة وأني لست متعودا على النوم بينما الاخرون يسوقون به فأنا لا اطمئن لأحد حين يتعلق الأمر بالسياقة. لم يطل صبر السائق على الصمت كثيرا فقد شغل راديو السيارة و أخذ يبحث عن التقاط إذاعة ما لكن جواب الراديو كان عبارة عن اصوات نشاز دفعت به الى إطفائه بعد أن يئس من العثور على إرسال. انتبه الى أني كنت مستيقظا فسألني:
-- الشيخ ما عندكش كاسيط نتاع قرآن او غناء.
--لا ما عنديش. تركتها في بيتي في عين صالح.
-- الشيخ راني موالف نشوفك ...تبان لي تخدم في التعليم ياك؟
--فعلا أنا هنا منذ عامين .
--أنت من الشمال واش من ولاية ؟
-- من جيجل إذا تعرفها.
-- و خيارت بيك...طبعا نعرفها ..مشهورة بالبحر و الجبال و الطبيعة و ...و...المشا
-- و المشاكل حبيت تقول.
-- إيه..والله الحالة ما تشكر..واش رانا نسمعوا يخوف ...نطلبوا ربي ما توصلش هنا. أححممم..مازالت الطريق طويلة ...موالف تروح لتمنراست أياك؟
فهمت أنه استدرك أمره بعد أن استيقظ المسافر الغريب الذي كان معنا...لقد كان موشحا رأسه بشاش على طريقة رجال الصحراء و الطوارق. لم يكن يظهر من وجهه سوى عينيه الزرقاوين. أجبت السائق أني تعودت على السفر الآن ولا أجد أي مشكلة.
-- والله يا شيخ جبت عمايا -يقصد معايا- هذا العربي باش يهاودني هاو زاد رقد. موالفين تسهروا ياك ؟
بسرعة أدركت أني لم أخطيء حين رفضت النوم فالسائق يريد شخصا يتحدث اليه و إلا سينام و نلقى حتفنا في هذه الصحراء المخيفة نهارا فما بالك ليلا. صمت ذو العينين الزرقاوين و لم يجبه فقلت له
-- أمتأكد أنك ستوصلنا الى تامنرست دون أن تنام؟
--هههههه...واقيلا خفت يالشيخ..والو..راني نقجم برك.
خفض السائق سرعة السيارة فجأة و خرج من الطريق يريد أن يتوقف. استيقظ الجميع بما فيهم صاحبه الذي كان بجانبه. اصيب الملثم ذو العينين الزرقاوين بالذعر فسال السائق بلغة أنجليزية اصيلة
-- Why? What's wrong؟
--واش راه يقول يالشيخ.
--راه يسقسي فيك علاش حبست.
-- حبست باش يجي واحد يركب من قدام...ما نقدرش نسوق وواحد راقد جنبي.
--He wants someone besides him. He can't drive while someone is sleeping besides him.
ضحك الملثم بعد ان سمع جوابي و أطمأن بعد أن ذهبت مخاوفه.
نزل صديق السائق فطلب مني السائق ان آخذ مكانه ففعلت و انطلقت بنا السيارة مجددا.
-
يتبع-
--
سيارتنا اتسعت في ذلك اليوم لستة أشخاص و قد كانت من أروع الرحلات التي قمت بها في حياتي. الرحلة من عين صالح الى تامنراست تستغرق أكثر من 12 ساعة في صحراء خالية من كل مظاهر الحياة ما عدا نقاط توقف قد تعيدك 100 سنة الى الوراء.و لأن الفصل شتاء بارد والوقت ليل طويل و الوجهة بعيدة استسلم بعض المرافقين الى النوم مباشرة.أما غياب اعمدة إنارة تتيح المسافر التمتع بمشاهدة المناظر التي تمر عبرها السيارة و تشابه التضاريس و صمت المرافقين فدفع بالبقية الى فعل ما قام الآخرون.
أما أنا ففضلت البقاء مستيقظا خاصة وأني لست متعودا على النوم بينما الاخرون يسوقون به فأنا لا اطمئن لأحد حين يتعلق الأمر بالسياقة. لم يطل صبر السائق على الصمت كثيرا فقد شغل راديو السيارة و أخذ يبحث عن التقاط إذاعة ما لكن جواب الراديو كان عبارة عن اصوات نشاز دفعت به الى إطفائه بعد أن يئس من العثور على إرسال. انتبه الى أني كنت مستيقظا فسألني:
-- الشيخ ما عندكش كاسيط نتاع قرآن او غناء.
--لا ما عنديش. تركتها في بيتي في عين صالح.
-- الشيخ راني موالف نشوفك ...تبان لي تخدم في التعليم ياك؟
--فعلا أنا هنا منذ عامين .
--أنت من الشمال واش من ولاية ؟
-- من جيجل إذا تعرفها.
-- و خيارت بيك...طبعا نعرفها ..مشهورة بالبحر و الجبال و الطبيعة و ...و...المشا
-- و المشاكل حبيت تقول.
-- إيه..والله الحالة ما تشكر..واش رانا نسمعوا يخوف ...نطلبوا ربي ما توصلش هنا. أححممم..مازالت الطريق طويلة ...موالف تروح لتمنراست أياك؟
فهمت أنه استدرك أمره بعد أن استيقظ المسافر الغريب الذي كان معنا...لقد كان موشحا رأسه بشاش على طريقة رجال الصحراء و الطوارق. لم يكن يظهر من وجهه سوى عينيه الزرقاوين. أجبت السائق أني تعودت على السفر الآن ولا أجد أي مشكلة.
-- والله يا شيخ جبت عمايا -يقصد معايا- هذا العربي باش يهاودني هاو زاد رقد. موالفين تسهروا ياك ؟
بسرعة أدركت أني لم أخطيء حين رفضت النوم فالسائق يريد شخصا يتحدث اليه و إلا سينام و نلقى حتفنا في هذه الصحراء المخيفة نهارا فما بالك ليلا. صمت ذو العينين الزرقاوين و لم يجبه فقلت له
-- أمتأكد أنك ستوصلنا الى تامنرست دون أن تنام؟
--هههههه...واقيلا خفت يالشيخ..والو..راني نقجم برك.
خفض السائق سرعة السيارة فجأة و خرج من الطريق يريد أن يتوقف. استيقظ الجميع بما فيهم صاحبه الذي كان بجانبه. اصيب الملثم ذو العينين الزرقاوين بالذعر فسال السائق بلغة أنجليزية اصيلة
-- Why? What's wrong؟
--واش راه يقول يالشيخ.
--راه يسقسي فيك علاش حبست.
-- حبست باش يجي واحد يركب من قدام...ما نقدرش نسوق وواحد راقد جنبي.
--He wants someone besides him. He can't drive while someone is sleeping besides him.
ضحك الملثم بعد ان سمع جوابي و أطمأن بعد أن ذهبت مخاوفه.
نزل صديق السائق فطلب مني السائق ان آخذ مكانه ففعلت و انطلقت بنا السيارة مجددا.
-
يتبع-
--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق