الأحد، 1 يونيو 2014

كي بكري

اليوم الأخير من شهر ماي.
   ليلة أمس شعرت و كأنني عدت الى الوراء و الى سنوات الثمانينات الذهبية. وضعت سماعة هاتفي الذكي في أذني و شغلت
التطبيق الإذاعي  ال Tune in Radio لأستمع لأي إذاعة أريد. بعدها تناولت كتابا لأديب الدعوة الشيخ محمد الغزالي بعنوان " كيف نفهم الإسلام" و رحت أقلب صفحاته الواحدة تلو الأخرى. ذلك ما كنت أفعله و انا تلميذ في الثانوية حتى اني أذكر أنني كنت أتشاجر مع أختي الكبرى حول من له أحقية السهر بالمذياع.   كنت دائما أقنعها بعد مشقة ان المذياع يرثه من يطيل السهر في العائلة . أذكر أيضا ان أمي رحمة الله عليها كانت دائما تقف في صفي لأنني كنت "المازوز " و لأني كنت معروفا بأني كنت "أسعسق"  أي اسهر كثيرا كما كانت تقول رحمها الله.  أستمتعت بقراءة الكتاب حتى أني لم أشعر الا و انا أقلب صفحته الأخيرة. واصلت بعدها الاستماع الى إذاعة البي بي سي و اخترت برنامجا حواريا يناقش موضوع العنصرية  الى أن غلبني النعاس فنمت على صوت المذيع و هو ينهي البرنامج على الساعة الثالثة الا ربع صباحا.
        استيقظت متأخرا هذا اليوم ليس على صوت المذياع و لكن على صوت عمي احمد الذي يسكن مقابل منزلي. لقد أصيب عمي أحمد بمرض عضال أفقده القدرة على الوقوف او المشي حتى انه سقط مؤخرا  و كسرت إحدى عظام حوضه . استيقظت على صوته و هو يصرخ من شدة الألم رغم ما اعرف عنه من قدرة تحمل و صبر لا مثيل لهما. كيف لا و هو الرجل الذي ابتلي في صحة أولاده العقلية و البدنية  منذ أكثر من ثلاثين عاما. تؤلمني مشاهدته و هو يؤخذ من طرف الحماية المدنية يوميا متكئا على كتف ابنته التي حرمها القدر من نعمة الزواج كغيرها من البنات . ربما رحمة بعمي أحمد و اولاده المساكين. فهي من تسهر على راحة أخيها الفاقد لعقله  و أختها الأرملة المشلولة.
      الامور هادئة بالحي الا من صوت شاحنة جارنا جعفر. هو ابن عمي و صديق طفولتي و زميلي في المدرسة . يقوم جعفر يوميا بسقاية الحي بعد ان تخلت الدولة عن دورها في إيصال مياه الشرب الى منازل المواطنين. يستيقظ جعفر و إخوته يوميا و قبل الجميع لملء خزانات شاحناتهم و يقومون بتوزيع المياه  على السكان عبر تراب البلدية  بعد ان وزعوا مهامهم على أحياء المدينة فكل واحد مكلف بتغطية حي معين لا يدخله الأخ الآخر و هذا عملهم منذ سنوات عديدة عوضوا فيها شركة الجزائرية للمياه بكل اقتدار.
      وصلت الى الشارع الرئيسي بالمدينة حيث نصب جاري زينو الخضار شاحنته الصغيرة يبيع فيها ما جادت به بساتين الفلاحين في منطقة آزاون. يختار زينو بضاعته بعناية شديدة و من مصدرها بدون وسيط و لا رفيق. أسعاره دائما هي الأرخص و بضاعته هي الأجود .لذلك كسب زينو محبة زبئائنه و أنا أحدهم. و لأنه تاجر وفي فهو حريص على خدمة زبائنه الأوفياء فتجده ينتقي ما أريده بكل عناية. اشتري كل ما أريد و أعود الى بيتي بعد ان أكون قد طالعت جريدة الخبر و تناولت قهوتي عند فاتح.

ليست هناك تعليقات: