الجمعة، 6 مايو 2011

حوار مع رومان

     سنة 2001 قمت بافتتاح أول مقهى للأنترنت بمدينة الطاهير. سارت الأمور في البداية كما تشتهي النفس فقد كان الزبائن يأتون من كل حدب و صوب و بما أني كنت الوحيد الذي يتقن العمل على الكمبيوتر فقد تكفلت بتسييره الى حين. كنت أقضي وقتي كله في الدردشة مع مستعملي الانترنت و محبي الدردشة من شتى بقاع الأرض. و قد سهل لي إتقاني للغة الانجليزية التواصل مع الكثير من المتحدثين بها و من بين هؤلاء صحفي من لوكسمبورغ يدعى رومان. لا زلت أذكر أول يوم التقيت فه برومان و الطريقة التي تعرفت بها عليه.
     كنت المبادر بالتواصل معه عن طريق برنامج رائع يدعىICQ و هو اختصار للجملة الانجليزية   I Seek Youو معناها إني أبحث عنك. قمت بتحيته ثم كتبت له جملة للكاتب الامريكي الشهير إرنست همنغواي تقول الجملة " Our nada who art in nada. nada be thy name thy kingdom nada". عرف الرجل معنى الجملة و الذي في الحقيقة هو من  نبهني الى معناها الحقيقي بعد أن كنت أفهمه بشكل آخر. أرسل رومان شرح الجملة بالفرنسية فكان أول ما قاله هو Nada veut dire rien et tu n'es rien" أعتقدت ان الرجل يشتمني فلم أترك له الفرصة أن يكمل و انهلت عليه سبا و شتما بكل الألفاظ التي كنت أسمعها في الأفلام الأمريكية و الفرنسية بل وحتى الاسبانية. أندهش الرجل لما كنت أقول فرد علي بجملة واحدة " HA HA HA HA" ازددت غضبا بعد أن نفذ قاموس ألفاظ السب و الشتم التي كنت أحفظها فقمت بترجمة بعد الالفاظ الجزائرية القبيحة و ارسلتها له.
      اكتفى رومان بإرسال ضحكة أخرى ثم قال لي:
-  Swear that you aren't Algerian" أي طلب مني أن أقسم أني لست جزائريا
- أنا جزائري لكن كيف عرفت؟
- سرعة غضبك لسبب تافه رغم أني لم أخطيء في حقك
- انت من قال لي اني لاشيئ
-لم أقل أنت لاشيئ و لكني شرحت لك الجملة التي أرسلت لي لأرنست همنغواي و كلمة نادا بالاسبانية تعني لاشيء.
-آه عذرا ..حسبتك تشتمني..أناآسف.
-لا تشغل بالك. و لكن قل لي..هل تقرأ لهمنغواي؟
- طبعا ..قرأت "العجوز و البحر" التي تعجبني كثيرا و كذلك روايته "لمن تقرع الأجراس ؟" و لكن الشيء الذي لم يعجبني فيه هو استسلامه في النهاية و انتحاره. لقد مشى عكس ما كتبه في روايته العجوز و البحر.
-أشاطرك الرأي يا....ما هو أسمك؟
- أسمي أحسن...من الجزائر
- أنا رومان ..من لوكسمبورغ. طبعا تعرف أين تقع.
- أجل...أعرف أنها ليست بعيدة عن سنغافورة و تتكلمون لغة هي خليط من الصينية و الهندية
-هاها..لا شك أنك تمزح.. هي تقع..
- تقع بين فرنسا و بلجيكا و ألمانيا و هي صغيرة المساحة
-أوه انت تعرف الكثير يا أحسن..أريد إضافتك الى قائمة أصدقائي ..أريد ان أعرف المزيد عن الجزائريين.
-يمكنك إضافتي.. لكنك لم تقل لي لماذا تريد معرفة الجزائريين؟ انت أروبي و من النادر أن تجد اروبيا يحب عربيا.
-هذا حكم عام. سأجيبك. لقد زرت تونس و المغرب و الجزائر كصحفي و رغبت في زيارتها لأني أعرف الجالية المغاربية في باريس و كيف تتصرف فأردت أن اعرف أصل ثقافتها .
- و هل وجدت فرقا بينها؟
- بالطبع. في تونس مثلا وجدت أنهم بارعون في التجارة و يتوددون إليك حتى يبيعونك ما لا ترغب في شرائه أما في المغرب فوجتدهم مخادعون و قد يبيعونك بضاعة زائفة.
-ماذا عن الجزائريين؟
-أه من الجزائريين. أنتم شعب مستحيل . أردت أن أشتري تذكارا لزوجتي فاتبعت نصائح صديق لي سبق و أن زار المغرب و أوصاني أن أعرض دائما على التاجر نصف ثمن البضاعة و  فعلت ذلك في المغرب و اشتريت جل تذكاراتي بنصف ثمنها وفعلت ذلك مع التوانسة أيضا و نجحت اما في الجزائر فقد أوشك التاجرالأول أن يضربني لأني عرضت عليه نصف الثمن المعروض. أما تاجرا آخر فقد أقسم أن لا يبيعني و لو دفعت له ضعف المبلغ المعروض بعد أن ألححت في المساومة. و تكرر ذلك مع كل الجزائريين.
    تكررت أحاديثي مع رومان و أصبحنا صديقين حميمين و تعرف على الأسلام و قد تمكن من حفظ سورة العصر التي كانت تعجبه كثيرا و اوشك أن  يدخل في الإسلام و لكنه تراجع بعد ذلك بسبب أحداث سبتمبر. عرفني رومان  بدوره على ثقافة بلاده. كنا نختلف كثيرا و لكن احترامنا لثقافة بعضنا البعض و خصوصية كل و احدة منها قربتنا اكثر فاكثر و ما كان يعجبه دائما هو أني كنت أختم حواراتنا دائما بالآية التي كانت تعجبه كثيرا "لكم دينكم و لي دين".


هناك تعليق واحد:

إنتظرني_في_القمة يقول...

سرد رائع للحكاية لكن نحن الجزائريين تحفة ناذرة لا تقدر بثمن أمتعنا بمزيد من كتابتك