الاثنين، 9 مايو 2011

اعترافات مدخن سابق


     الخامس عشر ابريل 1990 و في الساعة التاسعة مساء بغرفتي رقم 63 Nبالإقامة الجامعية زواغي سليمان بقسنطينة أنا المدعو أحسن بوفليغة أعترف غير مكره أني أرتكبت أعظم خطأ في حياتي. كنت لوحدي في تلك الغرفة الصغيرة بعد أن ذهب زميلي و ابن عمي الصادق لزيارة زميل له في نفس الجناح. هيأت جميع الظروف و حضرت نفسي لفعلتي التي فعلت بعد أن تمكن مني الشيطان ووسوس لي و زين لي عملي. اعترف أني كنت لوحدي و لم أستطع مقاومة تلك الرغبة الجامحة في تدخين اول سيجارة في حياتي. أعترف كذلك أني لم أكن لأنضم لقائمة المغرر بهم من المدخين لو أني لم  اعتنق" ديانة" زميلي في الغرفة ابن عمي الصادق و  و زميلي في الدراسة عبد المجيد حميدش عليه رحمة الله. المرء على دين خليله فما بالك إذا كان الخليل خليلان و المدخن مدخنان  شرهان.
     كنت أقول دائما لنفسي" لم لا تقلدهما فأنت مذبوح في العيد او في عاشوراء". دخان سجائرهما كان دائما يلف الغرفة و كما يلف الضباب واد سحيق صباح يوم شتوي بارد قارس معا. كنت استنشق كل ما ينفثه زميلاي فاكتفيت بدور المدخن السلبي الى أن أقنعني الشيطان بجواز اختبار متعة التدخين أو هكذا بدت لي. قمت بشراء سيجارتين من النوع الذي كان يدخنه زميلي "عزو " اي "الهقار" وولاعة بعد أن تناولت عشائي بالمطعم الجامعي توجهت الى غرفتي بعد أن اشتريت فنجان قهوة من النادي فقد كانوا يقولون أن " قهوة و" قارو" - سيجارة - خير من السلطان في دارو". اجتمعت كل ظروف الخطيءة و طقوس الإثم في ليلة واحدة. أغلقت باب الغرفة على نفسي و وضعت فنجان القهوة على طاولة صغيرة بجانب السرير و ألقيت بجسدي على سريري مستلقيا على ظهري. مهدت الطريق للسيجارة برشفة قهوة ثم تناولت السيجارة بيدي و قلبتها بين أصابعي قبل أن أشمها لأتأكدمن رائحتها ثم و وضعتها بين شفتي و ضبطتها جيدا ثم أشعلت الولاعة و قربتها شيئا فشيئا من فمي و كأنني أقلد أبطال الأفلام البوليسية الأمريكية الذين لا تحلو لهم استجواب المتهمين إلا إذا أشعلو سيجارة.
      اشتعل رأس السيجارة و انطلق دخانها أمامي عيني فأرسلت شفتاي في مهمة تاريخية. جذبت كل ما أنتجته تلك السيجارة من دخان و أخليت جميع السبل الى رئتي لها و سرعان ما وصلت اليهما. شعرت أن كل بدني يتحرك مع وصول أول دفعة من الدخان فكأنما هو أرض عطشى اهتزت و ربت لما وصلها الماء. أخذت نفسا آخر فازدادت النشوة و المتعة فاخذت آخر و آخر. و ما ان انتهيت منها حتى وقفت مستيقظا لأتأكد من أني لا أحلم. أصابني دوار سرعان ما تبدد فاسحا المجال لمشاعر الرجولة و الاعتزاز بالنفس. " الآن أصبحت مثلهم يا أحسن تدخن كما يدخنون و تشعر كما يشعرون"
      مضت سنوات و سنوات على تلك اللحظات. غادرنا "عزو " الى غير رجعة بعد أن التحق بالجماعات المسلحة في الجبال فقتل في كمين. أما زميلي و ابن عمي فقد استقر به المقام في مدينة نانت الفرنسية أين تزوج و افتتح متجرا هناك و توقف عن التدخين نهائيا و تاب توبة نصوحا. أما انا فذهبت جنوبا الى الصحراء و وواصلت التدخين هناك متحججا بالظروف المهنية و المناخية الى أن يسر الله لي سبيل العودة الى مدينتي ثم الزواج ثم رزقني بيوسف الذي كان سببا في توبتي عن التدخين.
      في مثل هذا اليوم من شهر ماي 2005 قررت أنا المدعو أحسن بوفليغة و أنا في كامل قواي العقلية أن أتوقف عن ممارسة الارهاب الصحي الذي كنت أمارسه في حق بدني. كانت الساعة التاسعة مساء حين جلست أمام حاسوبي أمارس هوايتي المفضلة في الابحار عبر الانترنت برفقة سيجارة أشعلها و لا أتركها الا و قد أفرغتها من أنفاسها الملهبة. كانت الغرفة هادئة الا من صوت موسيقى الحاسوب و غالبا ما تكون انجليزية. الدخان يلف الغرفة لفا لكني كنت حريصا على أن لا يتسرب الى الغرف الأخرى خوفا على صحة الوالدة رحمها الله وصحة  الأولاد. يفتح يوسف الغرفة و قد كان في الرابعة من العمر فيجلدني مباشرة بسؤال أفحمني و لم استطع الاجابة الا متهربا.                                                      (الصورة مع يوسف)
-قل لي يا أبي...لماذا تدخن؟
-اذهب و شاهد التلفزيون مع اخوتك
-قلت لك لماذا تدخن؟
-دعني و شأني ...خلينا يرحم والديك
-لن أتركك حتى تجيبني ...هل التدخين مفيد يا أبي؟
لقد و ضعني الطفل في ورطة لم أعرف كيف أخرج منها و ترددت في الاجابة مما جعله يلح في السؤال فما كان مني إلا أن رميت السيجارة التي كانت في فمي و قلت له
- هي ليست مفيدة و أعدك أني سأتوقف عن التدخين و لن تراني أدخن ثانية.
     أكملت العمل على الحاسوب حتى منتصف الليل و لم أشعل و لو سيجارة واحدة. نظرت الى علبة السجائر L&M; فوجدت أنها نفذت الا من واحدة. أردت ان أكسرها و ألقيها و لكنني ترددت و أعدت العلبة سالمة الى الطاولة قائلا لها " إن موعدك الصبح أليس الصبح بقريب"
    نهضت صباح اليوم الموالي باكرا و صليت الصبح على غير عادتي في وقته ثم دعوت الله أن يهديني سبل الرشاد و يرفع عني هذه البلوى. توجهت الى عملي مشيا على الأقدام و رفضت ارتشاف قهوة الصباح على غير عادتي. انتبهت فجأة الى تلك السيجارة المتبقية في جيبي فأخرجتها و أشعلتها بسرعة جنونية بعد ان تذكرت أن موعدها قد فات مع فطور الصباح. النفس الأول فالثاني فالثالث فالرابع فالخامس حتى وصلت الى الجسر الصغير الذي بني على نهر تاسيفت. توقفت هناك و نظرت الى الماء غير الرقراق الذي يجري تحته ثم الى سيجارتي و استجمعت قواي و ألقيتها على غير محبة مني. تابعت مسيرها الى أن تبللت و غرقت و راحت مع الماء. أما أنا فأكملت مسيري الى المدرسة بعد أن أقسمت بالله العلي العظيم أنها لن تلثم شفتي ما حييت. و فعلا كانت آخر سيجارة دخنتها الى يومنا هذا فالحمد لله أن وهبني يوسف بعد أن نزغ الشيطان بيني و بين صحتي.


الصورة الثانية في واحة عين صالح و السيجارة في يدي

ليست هناك تعليقات: