كنت أقول دائما لنفسي" لم لا تقلدهما فأنت مذبوح في العيد او في عاشوراء". دخان سجائرهما كان دائما يلف الغرفة و كما يلف الضباب واد سحيق صباح يوم شتوي بارد قارس معا. كنت استنشق كل ما ينفثه زميلاي فاكتفيت بدور المدخن السلبي الى أن أقنعني الشيطان بجواز اختبار متعة التدخين أو هكذا بدت لي. قمت بشراء سيجارتين من النوع الذي كان يدخنه زميلي "عزو " اي "الهقار" وولاعة بعد أن تناولت عشائي بالمطعم الجامعي توجهت الى غرفتي بعد أن اشتريت فنجان قهوة من النادي فقد كانوا يقولون أن " قهوة و" قارو" - سيجارة - خير من السلطان في دارو". اجتمعت كل ظروف الخطيءة و طقوس الإثم في ليلة واحدة. أغلقت باب الغرفة على نفسي و وضعت فنجان القهوة على طاولة صغيرة بجانب السرير و ألقيت بجسدي على سريري مستلقيا على ظهري. مهدت الطريق للسيجارة برشفة قهوة ثم تناولت السيجارة بيدي و قلبتها بين أصابعي قبل أن أشمها لأتأكدمن رائحتها ثم و وضعتها بين شفتي و ضبطتها جيدا ثم أشعلت الولاعة و قربتها شيئا فشيئا من فمي و كأنني أقلد أبطال الأفلام البوليسية الأمريكية الذين لا تحلو لهم استجواب المتهمين إلا إذا أشعلو سيجارة.
اشتعل رأس السيجارة و انطلق دخانها أمامي عيني فأرسلت شفتاي في مهمة تاريخية. جذبت كل ما أنتجته تلك السيجارة من دخان و أخليت جميع السبل الى رئتي لها و سرعان ما وصلت اليهما. شعرت أن كل بدني يتحرك مع وصول أول دفعة من الدخان فكأنما هو أرض عطشى اهتزت و ربت لما وصلها الماء. أخذت نفسا آخر فازدادت النشوة و المتعة فاخذت آخر و آخر. و ما ان انتهيت منها حتى وقفت مستيقظا لأتأكد من أني لا أحلم. أصابني دوار سرعان ما تبدد فاسحا المجال لمشاعر الرجولة و الاعتزاز بالنفس. " الآن أصبحت مثلهم يا أحسن تدخن كما يدخنون و تشعر كما يشعرون"
مضت سنوات و سنوات على تلك اللحظات. غادرنا "عزو " الى غير رجعة بعد أن التحق بالجماعات المسلحة في الجبال فقتل في كمين. أما زميلي و ابن عمي فقد استقر به المقام في مدينة نانت الفرنسية أين تزوج و افتتح متجرا هناك و توقف عن التدخين نهائيا و تاب توبة نصوحا. أما انا فذهبت جنوبا الى الصحراء و وواصلت التدخين هناك متحججا بالظروف المهنية و المناخية الى أن يسر الله لي سبيل العودة الى مدينتي ثم الزواج ثم رزقني بيوسف الذي كان سببا في توبتي عن التدخين.

-قل لي يا أبي...لماذا تدخن؟
-اذهب و شاهد التلفزيون مع اخوتك-قلت لك لماذا تدخن؟
-دعني و شأني ...خلينا يرحم والديك
-لن أتركك حتى تجيبني ...هل التدخين مفيد يا أبي؟
لقد و ضعني الطفل في ورطة لم أعرف كيف أخرج منها و ترددت في الاجابة مما جعله يلح في السؤال فما كان مني إلا أن رميت السيجارة التي كانت في فمي و قلت له
- هي ليست مفيدة و أعدك أني سأتوقف عن التدخين و لن تراني أدخن ثانية.
أكملت العمل على الحاسوب حتى منتصف الليل و لم أشعل و لو سيجارة واحدة. نظرت الى علبة السجائر L&M; فوجدت أنها نفذت الا من واحدة. أردت ان أكسرها و ألقيها و لكنني ترددت و أعدت العلبة سالمة الى الطاولة قائلا لها " إن موعدك الصبح أليس الصبح بقريب"

الصورة الثانية في واحة عين صالح و السيجارة في يدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق