دعاء الصبي أحسن

(قصة واقعية)

من بين اللحظات الخالدة في حياتي رحلتي الى باريس . كنت يومها في الواحد و العشرين من عمري حين رافقت والدتي رحمها الله الى فرنسا لأسباب خاصة. كانت و الدتي تجهل القراءة و الكتابة فقررت أن أرافقها و كنت يومها طالبا قسم اللغة الإنجليزية بجامعة قسنطينة. كانت رحلتي الأولى خارج الجزائر و مازالت راسخة في ذهني الى يومنا بسبب القصة التي روتها لي أمي و نحن  بين السماء و سطح البحر الأبيض المتوسط. 

قالت أمي: ’’ شوف يا وليدي. سوف أحكي لك حكاية تبين أن الله العلي القدير يستجيب لدعوة الصبي دائما. هي حكاية صبي في الرابعة من عمره وقعت منذ اثنين و عشرين سنة. تخيل معي صبيا يتيما و هو يلعب في منزله فيرفع رأسه ليشاهد و الدته و جدته و هما تبكيان. يندهش الصبي و يحاول فهم ما يجري و سبب بكائهما. تذكر أن والده توفي قبل شهر و ان آخر مرة زارهم فيها قادما من باريس حيث كان يعمل جاء محملا بهدايا للجميع. ربما هما تبكيان والده و الهدايا التي لن تحصلا عليها مرة أخرى. ذهب الصبي الى و الدته و ترجاها أن تكف عن البكاء و و عدها بأنه عندما سيكبر سيأخذها معه الى باريس و سيشتري لها ما تريد. كفكفت الأم دموعها و أخذته بين أحضانها ووعدته بعدم البكاء ثانية.

توقفت أمي عن الحديث برهة و أدارت وجهها نحو نافذة الطائرة و التي من خلالها عرفت أننا دخلنا الأجواء الفرنسية. نظرت الى وجه أمي و قد تلألأت دمعتان في عينيها. نظرت إلي و قالت

- ها قد جعل الله أحلامك حقيقة يا و لدي. 

- عن أية أحلام تتحدثين يا أماه؟

- لم يكن الصبي سوى أنت يا ولدي و لم تكن الأم سوى أنا. لقد وعدتني أن تأخذني معك الى باريس يوما ما . وها نحن في طريقنا إلى باريس. لقد جعل الله حلمك حقيقة.

توقفت أمي عن الحديث و استدارت الى النافذة مرة ثانية .

مرت إثنى و عشرون سنة على تلك الرحلة و لكني ما زلت أتذكر كل لحظة قضيتها مع أمي في باريس. أخذتها الى كل الأماكن التي كان يحكي لها والدي عنها. كانت سعيدة جدا بتلك اللحظات و كانت تشعر بسعادة اكبر تغمرها عندما أشتري لها شيئا. ’’ فعلا يا ولدي , يستجيب الله دائما لدعاء الأطفال بل و يجعل أحلامهم تصبح حقيقة", قالت أمي و نحن ندخل مطار أورلي بباريس صباح الحادي و العشرين من سبتمبر لنغادر الى قسنطينة.

بقلم أحسن بوفليغة  يوم الاثنين 2 ماي 2011