الأحد، 2 يناير 2011

صيفـــُــنا تينٌ و عنب 6


يفرغ الجميع من الصلاة فينتظم الجميع حول المائدة.أجلس بالقرب من عمي المحفوظ. أنتظر حتي يبدأ كبير الجلسة. كذلك كانت تقول لنا والدتي. يبدأ جدي أحمد فهو الأكبر و هو الضيف القادم من بعيد و هو الحاج الوقور و هو من أَمّهم في الصلاة. يسمّي جدي أحمد و كأنما يعطي إشارة الانطلاق فيتناول كل واحد منا ملعقته و يبدأ العشاء. أما أنا ففضلت طبق كسكسي الشعير بلحم الخروف بعد أن كنت قد تناولت طبق الشخشوخةفي الغذاء. يعينني عمي المحفوظ عليه. لم ينتظر عمي المحفوظ حتى ننتهي منه لكي يتناول نصيبه من الفاكهة بل راح يتناول كل ملعقة كسكسي مع حبة عنب. حاولت أن أقلده و لكني خجلت أن أرد يد جدي الذي سلمني نصيبي من اللحم. الهدوء يخيم على الجميع تقطعه أحيانا طلبات عمي المحفوظ مني أن لا أكون خجولا'' كل يا وليدي...كل ما تحشمش''. تضيف عمتي عقيلة مزيدا من المرق لكسكسي الشعير و تعلق على طلب عمي المحفوظ قائلة: '' ليس لديه سبب للخجل فهو عند عمته.''ثم تنسى نفسها فتلح علي هي كذلك'' كل يا بن أخي ...ما تحشمش ...أنت في دار عمتك'' و يشهد الله أني لم أكن خجولا في تلك اللحظة ولم أضع الملعقة حتى وضعها عمي المحفوظ.يمد الجميع أيديهم الى طبق الفاكهة الا أنا فقد شعرت بأني شبعت فأمسح يدي و فمي و أرجع الى الخلف. تترجاني عمتي أن أتناول الفاكهة فأرد عليها'' والله شبعت يا عمتي ...انا شبعان يا عمتي.''أما في قرارة نفسي فكنت أقول'' أنت لا تعلمين أين قضيت الصبح يا عمتي...لقد أكلت مقدار ما وضعت هنا من تين و عنب.'' ترفع عمتي المائدة مستعينة بابنتها أما نحن فنعود الى جلستنا التي لم تدم طويلا. فقد شعرت أن قطعان الناموس كانت تتربص بنا و انتظرت حتى نفرغ من الأكل لتفوز بدم جديد من عروقنا. تلسعني الاولى فالثانية فالثالثة و قد وزعت هجوماتها بعدتخطيط و تكتيك جيد. لسعة من يدي فإذا ما أحست أني أخبئ يدي تلسعني من قدمي فإذا غطيت قدمي أغارت على رقبتي. نفذ صبري فطلبت من جدي أحمد أن ننصرف و استطعت أن أقنعه فنهض و اعتذر للجميع خاصة أنه طاعن في السن و لم يعد يقوى على السّهر. ينهض الجميع مودعا أما عمتي فتنسحب في سرية تامة و تعود بكيس بدا لي أنه فاكهة و تسلمني أياه طالبة مني أن آخذه معي. انتهزت فرصة حديثها مع جدي و هي تطلب منه أن يسلم على عائلته و ألقيت نظرة على ما بداخل الكيس. إنه تين و عنب مرة أخرى. يقترب مني والدها جدي أحمد يقبلني و يطلب مني أن أسلم على الجميع ثم يدس يده في قميصه فتخرج ورقة من فئة الخمسة دنانير. نعم ورقة زرقاء مكتوب عليها خمسة دنانير جزائرية. يلح علي أن أخذها. دسستها في جيبي بعد أن نسيت أمر قطعة ال4 دورو و قبضت على الورقة خشية أن تسقط مني في هذه الليلة الحالكة.

  • سر بجانبي يا ولدي فأنا لا أبصر جيدا في الظلام. خذ بيدي و دلني على الطريق الى بيتكم.

  • من هنا يا جدي ...لا تخف أنا أعرف الطريق جيدا.

    كدت أنسى جدي لما بدأت أفكر فيما سأفعل بتلك الورقة النقدية . أشياء كثيرة خطرت ببالي لولا أني تّذكرت ضعف بصر جدي فمددت يدي الى يده و سرنا سويا الى غاية طريق المقبرة. الظلام حالك و هاهي القبور تترائى لي من هناك. اتذكر حكايات الأشباح فأقبض على يد جدي بشدة.

  • أسرع يا جدي...الطريق طويل و الا سنبيت هنا.

  • ماذا تقول؟ لا أسمعك

  • أسرع أرجوك يا جدي...الطريق طويل.

  • ومن قال لك هذا؟ عمتك قريبة منكم.

  • و لكن هذا الطريق طويل جدا.

  • جدي...هل صحيح أن الموتي ينهضون في الليل.

  • أه...عرفت الان...نحن بجانب المقبرة...لا يا ولدي.إنهم لا ينهضون و لا يخرجون من قبورهم. ليتهم ينهضون فترى أباك و يراك فيفرح بك و تفرح به

  • فعلا يا جدي...ليت الموتى ينهضون...ليت أبي ينهض فألقاه!

ليست هناك تعليقات: