
من حين ﻵخر ينتبه جدي أحمد الي و أنا جالس بجانبه. فقد انهمك جدي الأخر في الإجابة على أسئلة جدتي الزهراء التي لا تسمعه جيدا. فيعيد عليها الاجابةمرات و مرات .يحاول التملص من هذه الورطة بسؤال جدي أحمد عن أسعار مواد البناء في السكومة بفرجيوة و عن حصاد هذا العام ولكن جدتي تصر على الحديث الى أخيها الذي لم يزرها منذ مدة. يستدير جدي أحمد الي و يأخد يدي اليمنى و يطلب مني أن أسمي له أصابع يدي. أعجز عن الإجابة فيأخد اصبعي الأصغر و يبدأ في العد ''هذه مزيمزة مسكينة و هذا لبّاس الخاتم و هذا الطويل بل خصلة و هذا لحّاس القصعة و هذا الأخير هو دبوز …..دبزوه يناعل بوه ...دبزوه يناعل بوه'' يصعد بأصبعيه الى غاية كتفي ثم ينزل تحت إبطي فيدغدغني فأضحك حتى يتوقف. في تلك الأثناء يدخل ابنه عمي المحفوظ. يسلم علينا ثم يقربني منه و يسألني عن أحوالي و احوال عائلتي. يخرج من جيبه قطعة نقدية نحاسية 4 دورو و يضعها في يدي قائلا: '' هذه باش تشري الحلوى''. الحلوى مرة أخرى؟...ياله من يوم مبارك...يبدو أن حبات التين و العنب التي أفطرت عليها هذا اليوم هي سبب هذه البركات التي تنزل علي. الصيف طويل و نحن في بدايته. سأفطر يوميا على التين و العنب كي أحصل على هذا الخير كله. أضع القطعة في جيبي و أبقي على يدي في الجيب مخافة أن تسقط مني. غدا يوم السوق و سأنتهز الفرصة لأشتري المطاط المستخدم في التيربولات. غرق الجميع في أحاديث لا تنتهي. أحس جدي أحمد القادم من السكّومة بالحرارة الشديدة في تلك الغرفة فطلب من عمتي عقيلة أن تهيئ لنا مجلسا في فنائها الفسيح. فتقفز عمتي مباشرة فرحة مسرورة بتلبية طلب والدها فقد جاء و أخوها من بعيد و هي مشتاقة اليهما كثيرا. زوجها عمي عمار مهاجر بفرنسا و هو لا يأتي إلا مرة واحدة في العام فمن يأخذها لزيارة أهلها هناك سواه؟
نخرج الى الفناء الذي تغطيه كرمة أو دالية كبيرة فنجد أن عمتي عقيلة هيأت لنا مجلسا يليق بضيوف جد أعزاء عليها تتوسطه مائدة كبيرة. إنه وقت العشاء. ينهض الجميع للصلاة فتهب عمتي عقيلة لتحضير ما يلزم للوضوء و الصلاة. والدها, جدي أحمد, زار البقاع المقدسة منذ عام فأصبح يحمل لقب الحاج عن جدارة و استحقاق:قميص أبيض و سروال أبيض و برنوس أبيض تزينها جميعا عمامة بيضاء لفت بعناية و ترتيب جميلين. يصطف الجميع في صف واحد في الفناء للصلاة بينما أجلس أنا تحت النافذة أستمع لصوت بنت عمتي و هي تغني ﻷخيها أسماعيل'' اسدوه ادّاني ... ما ريتو ما راني... حتى صبتو في داري'' ثم تنتقل الى أغنية أخرىشعرت من خلالها أنها تحاول دفع الصبي للنوم كي تتعشى هي أو هكذا ظننت '' ننّي نـنّي يا بشّة...واش نديرو للعشا...نديرو الجاري و الدبشة...و يجي باباك يتعشى''. لحن جميل يدفعني للتثاؤب شعورا بالنوم لولا أنني سمعت عمتي تنهرها ﻷن الضيوف بصدد الصلاة. تحضّر عمتي مائدة العشاء فتحضر طبق كسكس الشعير بلحم الخروف و معه طبق الشخشوخة بلحم الدجاج مع طبق سلطة و طبق فاكهة صفف بعناية فائقة أوله تين في دوائر كبيرة وسطها عناقيد عنب أصفر ذهبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق