الخميس، 6 يناير 2011

صيفـــُــنا تينٌ و عنب7



ذهب الخوف عني بعد كلام جدي. دخلنا المنزل فوجدنا الجميع في انتظارنا في فناء المنزل. الطقس حار و النوم داخل الغرف مستحيل. طلب جدي من أخته أن تحضر له فراش النوم في الفناء و كان عبارة عن حصير من الحلفاء اشترته لنا أمي منذ حوالي شهرين و لم نستعمله قط. تحضر أمي وسادة و أزارا لجدي فيستلقي مباشرة على ظهره و عيناه تنظر الى السماء. أقترب من أمي و أطلب منها أن تحضر لي وسادة و إزارا ﻷنام مع جدي في الفناء. لقد بددت كلمات جدي عن الموتي كل خوف و هذه فرصتي ﻷجرب النوم خارج الغرفة ﻷول مرة. أتمدد على الحصير مثل جدي و أنظر الى حيث ينظر. لوحة طبيعية خالدة تتشكل أمامي لم يسبق لي أن رأيتها أو لم يسبق لي أن تمعنت فيها كما أفعل الآن. السماء سوداء تزينها نجوم كأنهاجواهر خيطت على فستان أسود جميل. أوراق الكرمة أو الدالية زادت المنظر جمالا على جمال. بقيت أمعن النظر الى النجوم و أشكالها حتى

لاحظت ضوءان أحمران يتلأﻵن في السماء و هما يتحركان في نفس الاتجاه. أوجست خيفة فتوجهت لجدي بالسؤال:

- ما هي تلك اﻷضواء التي تتحرك في السماء يا جدي؟

-عن أية أضواء تتحدث يا ولدي؟ ...دعني أنام

-تلك الاضواء الحمراء هناك في السماء

-لا أرى شيئا . هي النجوم..انت ترى نجوما .

-كلا ...النجوم ثابتة أما هذه فتتحرك .

-يا بني أرحمني...بصري ضعيف أنا لا أرى ما أمامي فكيف أرى ما يتحرك في السماء.

-أنت كبير و تعرف كل شيئ. هذا ما كنت تقوله لي في طريقنا الى المنزل.

تنقذه جدتي من ورطته فتجيبني بدلا عنه

-تلك أضواء طائرة مسافرة بالليل .هكذا قال لنا أبوك مرة حين رأيناها في السماء. الله يرحمك يا علي يا ولدي.

-أو كان أبي يركب الطائرة يا جدتي؟

-نعم يا ولدي. كان دائم السفر بها من فرنسا الى الجزائر و حين يعود يعود بالطائرة أيضا.

تتوقف لحظة و تنظر الى عيني أمي و كأنهما تقولان شيئا لا تريدان أن أسمعه. فهمت فيما بعد أن أمي طلبت من جدتي أن تغير الموضوع فجرح وفاة أبي في باريس منذ ثلاث سنوات لم يندمل بعد. تتوقف جدتي عن الكلام و تسرح في تفكير عميق. أنظر الى جدي فأجده لا زال مستيقظا فأسأله مرة ثانية

-جدي...جدي

-ماذا تريد؟ سوف ننهض باكرا غدا ...حاول أن تنام.

-قل لي يا جدي...كل أصحابي لديهم أباء في فرنسا. والد صديقي جعفر في فرنسا و عمه أيضا في فرنسا. أعمام صديقي مسعود بودويرة في فرنسا....عمه لخضر و عمه صالح مصباح بونفيخة أيضا أبوه في فرنسا. لماذا ..

-الكثير من الناس ذهب هناك يا ولدي.

قاطعني جدي و لم يتركني أكمل سؤالي خشية أن أفتح جرحا جديدا. لم أيأس و عالجته بسؤال آخر

-لماذا يترك هؤلاء بلادهم و يذهبون الى فرنسا؟ هل ذهبت الى فرنسا ياجدي؟

-لا لم أذهب يا ولدي...لم أذهب...ارقد يا ولدي.

-أبي عاد من فرنسا في صندوق يا جدي...هل كلهم سيعودون في صناديق يا جدي؟

-بسم الله الرحمن الرحيم...يا خي هدرة يا خي..اسكت خلينا

تنهرني جدتي و تطلب مني أن أدع جدي ينام. ينفض الجميع من حولي. لم انتبه الى خطورة ما قلت الا بعد أن نهض الجميع.

يستغرق جدي في النوم أما أنا فأكمل السهرة متأملا في السماء. أنتبه الى أني سأذهب الى السوق مع جدي فأدس يدي في جيبي ﻷتفحص ورقة الخمسة دنانير. مازالت في جيبي هي و قطعة ال4 دورو.

غدا سأشتري كل شيئ. كبش بقرنين كبيرين.سآخذه ليرعى.سأعتني به صباحا و مساء. سأصعد الى الأشجار مثلما يفعل مصباح و اقطع له أغصانا خضراء. لن ينقصه شيء. لن أنتظر حتى يجيء المساء لآخذه الى تاسيفت. عندما أعود من السوق سأدع أمي تراه ثم أطلب منها ان تتركني آخذه الى تاسيفت. ستوافق أمي لا محالة. أنها لا ترفض لي طلبا. أتخيل نفسي أجر كبشي وسط دهشة أقراني. أمشي في كبرياء أمامهم. مصباح ينظر الى كبشي و يقارنه بكبشه. يأتي ورائي و يطلب مني أن أدعه يجره قليلا.

-كلا...والله والو...لن تمسه...و أجذب الحبل بكل قوة

يرتطم يدي بوجه جدي فينهض مخلوعا. واش هذا ؟

ليست هناك تعليقات: