يوم الخميس كان -اي أمس – كان من أحر الأيام التي عشتها منذ بداية العام الدراسي. حرارة غير طبيعية زادتها رطوبة الجو سوءا و أحشفا و سوء كيلة كما قالت العرب قديما. كنت صائما و عجزت عن النهوض للتسحر فعانيت الأمرّين من عطش و جوع. استيقظت مـتأخرا على السابعة صباحا وكان علي أن أجهز نفسي ﻷنقل شهاب الى مدرسته بوسط بمدينة الطاهير قبل ان أبدا العمل على الساعة الثامنة بتاسيفت جنوب الطاهير. و أردت ان اختصر الطريق على طريق زعموش ولكن ابني يوسف عمل المستحيل كي يدخل على الخط اسوة باخيه فكيف يذهب الى المدرسة سيرا على الأقدام و أخوه الأصغر منه يذهب راكبا؟
أوصلتهما الى وجهتهما و عدت أدراجي ﻷلتحق بعملي حيث كدت أن أصل متأخرا. ثلاث ساعات و ثلاث حصص كانت كافية لتقضي على ما بقي من طاقة ناهيك عن الألم الفظيع الذي أصبحت أشعر به أسفل أقدامي من كثرة الوقوف و ربما يرجع اﻷمر الى وزني الزائد عن الحد.
التحقت بقاعة اﻷساتذة حيث التقيت بعبد القادر الذي أنساني الحديث معه عن البناء و المقاوﻻت و تجربته كمقاول الذهاب ﻷخذ شهاب من المدرسة و العودة به الى البيت. لقد بقيت بالقاعة حوالي الساعة و ﻻ شك ان شهابا قد اشبع معلميه بكاءا و عويلا ﻷن البقاء في ذلك المكان اربع ساعات متواصة يجعل الحليم حيرانا. فخرجت مسرعا قاصدا البيت فاخبرتني ابنتي ان أمها قد ذهبت لجلبه.
انطلقت مسرعا ﻷلحقهما ولكن الوقت قد فات. كنت أريد التحدث الى المدرسات اللاتي يؤطرن هذه الروضة التي نالت شهرة واسعة بالطاهير لنوعية التعليم الذي تقدمه لكني أحجمت عن اﻷمر لحين التأكد من نوع التغيير الذي سيطرأ على شهاب بعد اسبوعين أو اكثر.
كنت قد سألت شهابا عن ما يقدم لهم في الروضة فأخبرني أنه يتعلم الصلاة و دعاء الصباح ! و أحسب هنا انهم يُحمّلون الأطفال فوق طاقتهم. و لست ضد تنشئة الاطفال على حفظ القرآن فقد كانت نيتي منذ البداية هي ان يتحصل ابني على قاعدة تعليمية صحيحة و كنت سألت المربيات منذ البداية عن برنامج التعليم فأخبرتني إحداهن أن البرنامج يضم تحفيظ القرآن و الحديث و الأشغال اليدوية.و أتذكر أني حاورت يوما سيدة بريطانية تشتغل بالتعليم التحضيري فسألتها عن نوعية التعليم الذي يقدم للصغار في بلدها فطلبت مني أن أبدا بالإجابة اوﻻ عما أقدمه ﻷوﻻدي كمدرس فأجبتها أني أحاول تحفيظهم القرآن و الصلاة فردت علي بإجابة مفحمة ذكرتني بالفرق الساشع بين ثقافتهم و ثقافتنا الي يطبعها الخيال و التدين الشكلي بينما ثقافتهم مادية عملية صرفة.لقد أخبرتني هذه العجوز البريطانية أنهم بدﻻ من تحفيظ أبنائهم الإنجيل رغم انها مسيحية متدينة اﻻانها أول ما تعلم الأطفال البريطانيين هو الحفاظ على نظافة اجسادهم فيحرصون على أن يحضر كل تلميذ منديله و فرشاة أسنانه و معجون الأسنان منذ اليوم اﻷول.و بعد أن يتعلم الطفل كيف يحافظ على نظافة جسمه يعلمونه كيف يحافظ على نظافة مﻻبسه ثم تنظيف محيطه جيدا بعد الانتهاء من كل عمل. فهو مسؤول عن نظافة طاولته و قسمه أيضا. و قد أخبرتني أنهم يعلمونهم كيفية لبس معاطفهم بوضعها على اﻷرض ثم ارتدائها. كما يحرصون على تنشئة اﻷطفال على الحفاظ على الملكية الخاصة و الحرص على عدم اتلافها و التي تتمثل في أدوات أﻷشغال اليدوية و كل طفل ملزم بإحضار أدواته الخاصة به و ﻻ يقبل منه أن يعيرها للأطفال اﻵخرين و ﻻ أن يستعيرها منهم.ثم يبدأ اﻷطفال في حفظ ارقام هواتف منازلهم و عناوينهاو ترديدها أمام المربية يومياو هي طريقة عملية جدا لحماية الأطفال. كا يعلم الأطفال حساب مذخراتهم من النقود و يشجعون على ادخار مصروفهم و عدم إنفاقه. أفحمتني هذه السيدة فلم أجد ما أقول لها سوى أننا أناس ربانيون ﻻ نفكر في المادة و سألتها إن كانت قد قرأت رواية حي بن يقظان التي تلخص فعلاطريقة تفكير العربي المسلم و مقارنتها برواية دانييل ديفو ''روبنسون كروزو'' التي تلخص طريقة تفكير الانسان الغربي فردت بالنفي.قلت لها '' عليك بقراءتهما لتعرفي الفرق بيننا و بينكم'' فردت علي..”Sorry got to leave now It's time for me to help my sons in their homeworks” قلت لها شكرا على الحوار و القيت عليها السلام متحسرا على أني لم أستطع أن أكون عمليا مثلها فنحن نكتفي بتحفيظ أوﻻدنا بضعة سور و أحاديث شريفة و كيفية القيام و الركوع و السجود حتى إذا بلغ الطفل نسي كل ما دعوناه اليه و اتخذ طريقه في الحياة عجبا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق