الأحد، 24 أكتوبر 2010

الدروب الوعرة و الهروب الكبير


بسم الله الرحمن الرحيم
البارحة كان يوم جمعة اي يوم عطلة. ولأنه كان مشمسا دافئا كغالبية أيام الخريف فقد قررنا نحن الإخوة الثلاثة ان ننتقل الى منطقة الأربعاء بالجبال المحيطة بالطاهير.انطلقنا نحن و الزوجات الثلاثة  و الاوﻻدعلى الساعة التاسعة صباحا بعد ما جهزنا أنفسنا لقضاء يوم كامل هناك.و قد كانت زوجتي القسنطينية و زوجة أخي محمد السكيكدية أشد المتشوقين لإكتشاف القرية فلم يسبق لهما زيارة المكان.
و صلنا الى المكان بعد حوالي نصف ساعة أو أكثر ﻷن الطريق وعرة و غالبيتها غير معبدة فما إن تغادر مدينة وجانة ذات الشوارع المعبدة و الارصفة المهيأة حديثا و البنايات الجديدة حتي تستقبلك الطرق المهترئة الوعرة كالتي و صفها مولود فرعون في روايته الشهيرة '' الدروب الوعرة''.
    المشاتي هجرها سكانها الذين ينتمون الى قبيلة بني عافر و اتجهوا الى المدينة حيث المرافق الضرورية للعيش الكريم شبه متوفرة.لقد كان والدي رحمه الله أول من قرر الرحيل عن قريته بحثا عن العمل و بعد محاوﻻت يائسة في قسنطينة اتجه الى باريس عاصمة فرنسا في عام 1953
    لم يكن والدي متعلما فقليل من الجزائريين المسلمين من سمحت لهم فرنسا بولوج أبواب مدارسها.لم يكن والدي بحاجة الى تكلم الفرنسية للعمل في باريس ففرنسا لم تكن بحاجة الى لسانه بل كانت في حاجة لسواعده.و يكفي ان تعرف أحدا من دشرتك هناك يأخذك الى صاحب العمل الفرنسي فيوظفك في الحين.لذلك وجد أبي عملا مباشرة بعد دخوله باريس.
مرت اربع سنوات وبدأت أحوال أبي المادية تتحسن فقرر توسعة بيته و تحسين ظروف معيشة عائلته بهذه القرية البائسة.عودته الى الجزائر صادفت مرض زوجته الأولى ووفاتها بعدما تركت له ولدا و بنتا. جدتي و حرصا منها على الطفلين و كعاده أهل القرية قامت بتزويجه مباشرة من احدى قريباتها من عائلة صوفان.
لم يمر أسبوع على زواج والدي و مع اشتداد لهيب الثورة قررت فرنسا تطبيق سياسة عزل الثورة عن الشعب فقام جيشها باعتقال جميع نساء و أطفال القرية ووضعهم في محتشد استعماري بمنطقة الاشواط ( المعتقل حاليا هو موقع ﻷكبر ميناء بحري في إفريقيا) و كان من بين المعتقلات جدتي ووالدتي رحمهما الله,عماتي الثلاث حفصية وولديها أحمد و فرحات, الجوهر و زكية و أخي محفوظ البالغ من العمر 8 سنوات.
لا أعلم بالضبط كم بقي أهلي في المحتشد لكني أعلم أن المدة تجاوزت الشهرين كانت تقوم خلالها جدتي ,التي كانت معروفة بذكائها ,بجمع الحطب كتمويه لما كانت تقوم به فعلا. عملية جمع الحطب استغلتها جدتي لحفر نفق صغير تحت الأسلاك الشائكةالمحيطة بمعتقل اﻷشواط.لما أكتمل بناء النفق و على الساعة منتصف الليل قامت جدتي بتجميع افراد العائلة و قسمت المهام خاصة المراقبة و حمل الأطفال و أذكر أن أمي رحمها الله تكفلت بحمل أخي المحفوظ. تسلل الجميع تحت السياج تحت جنح الظلام و انطلق الجميع بالسرعة القصوى.
وصل الجميع الى قرية بني متران بعد ساعتين من المشي تارة و الجري تارة أخرى . قرية بني متران تقع الى الجنوب الشرقي من مدينة الطاهير التي تجنبها الفارون ﻷنها كانت تعج بالفرنسيين و أعوانهم من الحركى.

اﻵن على الفارين أن يرتاحوا قليلا.رأت جدتي ضوءا خافتا غير بعيد عنهم فقالت في نفسها ربما هو الصبح و هذا بيت عائلة عربية استيقظ أفرادها ﻵداء الصلاة.تركت البقية يأخذون قسطا من الراحة و تسللت بين الحشائش نحو باب المنزل. حتى إذا اقتربت من الباب الحديدي لطرقه تراجعت و قالت في نفسها فل أنادي على أهله من النافذة. '' يا خاوتي يا خاوتي افتحوا الباب, احنا خاوة'' . لم تكن المسكينة تعلم أنها كانت تطرق باب منزل فرنسي خالص.

-يتبع-

صورة 1
مسار الهروب الكبير من معتقل الاشواط الى قرية بني متران حيث توقف الفارون.

ليست هناك تعليقات: