قبل اضراب اساتذة التعليم الثانوي بأسبوع و أثناء حصة اللغة الانجليزية مع طلبة النهائي علوم, كان موضوع الدرس عن كيفية صياغة الاسئلة بالانجليزية عن القياس و أدواته. و كتمهيد للدرس انطلقت من النافذة. طلبت منهم ان ينظروا الى قمة جبل بوعزة التي بدت لهم شاهقة لأنهم يرونها حيثما ذهبوا لكنها بعيدة عنهم.
أكملنا الدرس و انجزنا تمارين التقويم و خرجنا من القسم في رحلة خيالية الى الجبل و ما يوجد هناك. اندمج الجميع في الرحلة الخيالية حتى الذين من عادتهم الرحيل بخيالهم بعيدا عن الانجليزية و مشاكل قواعدكتابتها و نطقها اندمجوا معنا .
لم انتبه الا و الجرس يدق معلنا نهاية الحصة لكنها كانت بداية لفكرة الحّ الجميع
على الانخراط فيها. لقد قرروا صعود أعلى قمة جبلية في ولايتهم. طلبت منهم أن يجمعوا المبلغ و العتاد اللازم لهكذا رحلات من طعام و أواني و أدوات تصوير ثم قمت بتقسيم المهام و خرجت من القسم بعد ان استكملنا جميع جوانب المشروع.
مر اسبوعان و كدت أنسى المشروع بسبب ضغوط الاضراب و ما صاحبه من تهديد ووعيد للمضربين من الوزارة و أنانية و ضيق افق زملائنا غير المضربين الذين لم يساندونا .أكثر من ذلك تراهم يتغيبون عن الدروس بل و فيهم من يهدد التلاميذ بالخصم من النقاط ان وجدهم داخل القسم.
أما التلاميذ فقد انتظروا حتى بدت السماء زرقاء من غير غيوم و أطلت الشمس بنورها و دفئها وبان جبل بوعزة وقد كسته الثلوج رداء ابيضا ناصعا. اتصل بي سيف الدين الذي تكفل بالتنسيق و الربط و أخبرني ان المشروع جاهز للتطبيق فورا.
اتفقنا. سلمني المبلغ الذي جمعوه و أضفت اله حصتي و انطلقت الى السوق لشراء مستلزمات الرحلة. قمت بهدها بربط الاتصال ببعض الزملاء الاساتذة فاعتذر الجميع الا أستاذ التربية البدنية فقد تحمس للمشروع و وافق على المشاركة بسيارته.
صبح يوم الاربعاء انطقنا مع الولاد على الساعة السابعة و النصف صباحا الى قرية الشحنة حيث ركنا سيارتنا هناك أما الاولاد فلحقوا بنا بعد أن أستقلوا حافلة صغيرة. كانت الساعة تشير الى التاسعة حين انطلقنا الى جبل بوعزة سيرا على الأقدام. لم نتوقف في الطريق سوى لأخذ صور تذكارية تكفل مسؤولو الاعلام بها و هم هيثم, أمين و الخيّر.
و صلنا الى سفح جبل الشفرة بعد 3 ساعات من المشي صعودا. عرفت خلالها أشياء كنت أجهلها عن هؤلاء الأولاد. لقد غيرت هذه الرحلة نظرتي اليهم. فطوال الرحلة لم أسمع كلمة بذيئة منهم. تداول الجميع على حمل الحقائب و الأكياس ولم
يتركوني أحمل حقيبتي بل و تكفلوا بحمل معطفي. لعبوا كالأطفال و تقاذفوا كريات الثلج و مع ذلك لم يتجرأوا على قذفنا لأننا أساتذتهم. تعاونوا فيما بينهم و لم يتحايل أحد على أحد. في الاخير عرفت انهم تغيبوا عن حصة الفيزياء مع أهميتها و عدم اضراب مدرسها؟
لقد ذهبت استاذا هرما و عدت في المساء تلميذا نشطا. عرفت أشياء لم أكن أرها داخل القسم. عرفت ان هؤلاء الذين كلفنا المجتمع بتعليمهم ليسوا مجرد أوراق نكتب عليها ما نريد. أن لهم عقولا يفكرون بها و مواقف يعتزون بها. عرفن أن ما يهمهم هو مقدار الاحترام الذي نكنه لهم و مقدار الاهتمام الذي نمنحه أياهم . ما يحتاحه هؤلاء هو أن نمنحهم الثقة اللازمة و التقدير اللازم لمشاعرهم و مواقفهم و قدراتهم و اخلامهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق