الثلاثاء، 2 أبريل 2013

حين تغيب الشمس

     جاءت عطلة الربيع في وقتها بعد ضغط العمل الذي عانينا منه طيلة هذ الفصل الدراسي. اليوم سيكون ربيعيا مشمسا كما بدا لي من الليلة الدافئة التي قضيتها فاستيقظت على غير عادتي على صوت آذان الفجر.
     توضات وخرجت أريد المسجد بعد غياب دام شهرين. هوالمكان الوحيد الذي يجعل الانسان يحن للرجوع غلبه و ما احلى الرجوع إليه. مشيت في طريقي وانا ادعوالله ان يغفر لي تقصيري و يعينني على نفسي و على طاعته . كانت السماء صافية تتلالا نجوما متؤكد ما ذهبت إليه من ان اليوم سيكون جميلا غير ممطر. اختفى نباح الكلاب و عوضه نقيق الضفادع القادم من كل الجهات فغيب الصمت الجميل لهذه المدينة البائسة.
      هي لحظات و اجد نفسي داخل المسجد في الصفوف الأمامية . هي نفس الوجه التي ألفت رؤيتها كل صباح يبدو انها مواظبة على صلاة الصبح أكثر مني." ليتني كنت مثلكم" قلتها في نفسي و لما أبدها لهم. أديت تحية المسجد ثم جلست أتلو ما تيسر من القرآن " إن قرآن الفجر كان مشهودا". انتهيت من قراءةسورة الواقعة التي أحرص دائما على تلاواتها فأشعر براحة عجيبة تغمر جسمي ت و تسير في دمي. رُفع آذان الصبح على مسامعنا فتوقف الجميع عن قراءة المصاحف . قام الجميع بعد ان فرغ المؤذن من رفع النداء للصلاة لآداء الصلاة النافلة كل بفرده لكن الحركات كانت متناسقة.
       فرغت من الصلاة و جلست اذكر الله '' ألا بذكر الله تطمئن القلوب". نظرت يمنة ثم يسرة و كاني اعد المصلين فوجدت ان عددهم لم يزد عن الأربعة صفوف. يا الله. أين هي الجموع التي تملأ هذا المكان يوم الجمعة؟ ثم قلت في نفسي هذه الأربعة صفوف افضل من غثاء السيل. توقفت عن تخيلاتي وحساباتي بعد ان دخل الإمام و نهض الجميع ووقفوا صفا واحدا رهن إشارته امام الواحدالقهار. ليتنا فعلنا نفس الشيء خارج المسجد و اطعنا إمامنا في كل شيء. و لكن أي إمام يطاع و قد عجزت أرحام المسلمات ان تلد صديقا وعمرا آخرين جديرين بالسمع و الطاعة. أنتبه من سرحاني و ارفع يدي مكبرا .قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة يا أحسن.
      اغتنمت لحظات السجود فدعوت لأولادي بالتوفيق و النجاح و لأهلي بالفلاح و لوالدي بالرحمة و المغفرة كما ربياني صغيرا. إنها لحظات تمنيت لو انها طالت أكثر لأتضرع للمولى ان يشفي ولدي شهاب. شعرت وكانني أصعد في السماء و أقترب من خالقي أكثر لأنه ينزل إلى السماء السابعة فيسمع تضرعنا و بثنا و شكوانا. هي لحظات بدت لي قصيرة جدا بالكاد دعوت كل شيء حتى خُيل لي ان الإمام يستعجل للعودة غلى البيت للنوم مجددا.جلست بعد التحية لأذكر الله قليلا و كاني أريد البقاء أكبر مدة في هذا المكان المريح.
      لم انتهي من الذكر لما وقف صديقي نور الدين فوق رأسي. ربّت على كتفي ثم ابتسم ابتسامة عرفت منها انه مثلي جاء للمسجد بعد غياب طويل .
- نعم إنها المرة الأولى منذ عطلة الشتاء التي آتي فيها لصلاة الصبح.
-ماذا نقول؟ ربي يغفر لنا ويتقبل منا.
- ما الذي جاء بك هذا اليوم؟
- شعرت اني شبعت من النوم فجئت هاهنا لمكان أحن إليه.
-أما أنا فوالله يا أبا الحسن لكأني اشتقت إلى نسائم الصبح.
- فعلا يا نور الدين . لنخرج ونستمتع بآية من آيات الله و هي تهب علينا  " و إذا الصبح تنفس".
       خرجنا و وقفنا أمام باب المسجد ننتعل أحذيتنا و لكن نسائم الصبح غابت عنا هذا اليوم. اتظرنا لبرهة من الوقت و لكنا ام نشعر بشيئ. اعتقدت ان الصبح قد تنفس بعد ان اطلنا الحديث في المسجد.طال انتظارنا دون فائدة فاتخذنا سبيلنا للعودة الى منازلنا و نحن نعاتب بعضنا على ما فرطنا فيه.
    ودّعت صديقي نور الدين متمنيا له نهارا سعيدا و عرّجت على حلواني حيّنا الذي افتتح محلا بجوارنا. اقتنيت بعض الهلاليات لفطور الصباح و دخلت البيت و انا أشعر بطمانينة قلما شعرت بها. وجدت نفسي  أردد نشيدا طالما اعجبني لسامي يوسف. تذكرت اني لم أفعل هذا منذ عدت إلى عملي في التدريس في يناير الماضي. لقد أفقدني هذا العمل حلاوة العيش أو هكذا أصبحت أشعر. وضعت كيس الهلاليات فوق طاولة بعد ان أشعلت المصباح لأرى جيدا . المكان مظلم على غير العادة ففي مثل هذا الوقت يكون المطبخ مضاءا طبيعيا فنافذته كبيرة جدا و لا نحتاج المصباح للإضاءة.
     صعدت, كعادتي في رمضان بعد العودة من المسجد, إلى سطح المنزل أشاهد المدينة وهي تستقبل الشمس و هي تشع بضيائها فتنيرها بعد ليل طويل. بدأت الحركة تدب في المدينة بخروج أصحاب الشاحنات و حافلات النقل إلى الشوارع. سواد الليل ما زال يلف المدينة لفا و ليس هناك نور سوى تلألأ النجوم الخافت. اتجهت بنظري نحو جبل سدات الذي يحادي المدينة من الشرق فلم ألحظ لا أفقا و لا ضياءا. إنه أمر غريب فعلا.
      نزلت إلى غرفة المعيشة حيث اعتدت مشاهدة التلفزيون مع الأولاد فوجدت الغرفة مظلمة حالكة على غير عادتها. ازدادت دهشتي لأن بها باب خارجي معظمه صنع من زجاج لأنارة البيت طبيعيا. تحتم علي اشعال المصباح الكهربائي لرؤية الساعة الحائطية. إنها السادسة و النصف و الظلام لا زال يلف المدينة و البيت. خرجت الى شرفة البيت الواسعة فلم أجد إلا ظلاما حالكا حتى ان رجلي عثرت بمزهرية فكسرتها. ما هذا الذي يجري؟ اتجهت غرباإلى حيث اعتدت ان انتظر آذان الإفطار في رمضان مستمتعا بمنظر أفول الشمس عن مدينتي فلم أشاهد سوى الظلام.قلت في نفسي أن من علامات الساعة ان تشرق الشمس من المغرب فهل قامت الساعة و نحن لا ندري؟
       عدت الى البهو و خلعت الساعة من الحائط و تاكدت من انها لا زالت تعمل بشكل عادي. الساعة تشيرإلى السابعة و الليل ما زال يغشى المدينة. شغلت التلفزيون و ذهبت مباشرة إلى القناة الجزائرية لعلي اجد ما يسرني. ساعة القناة تشير فعلا الى السابعة صباحا لكن القناة تبث القرآن الكريم. ليس من عادتها بث القرآن في هذا الوقت بالذات. إنه موعد نشرة الأخبار." هل توفي بوتفليقة؟" سألت نفسي مستغربا. تحولت إلى قناة الشروق الجزائرية الأخرى فوجدتها تبث تلاوة القرآن الكريم أيضا. نظرت إلى شريط الأخبار أسفل الشاشة فلم أجده.
       فتحت النافذة التي تطل على الشارع فوجدت أن الظلام لازال يغطي المدينة من أدناها إلى أقصاها. "الساعة الآن تشير إلى السابعة و الربع و الشمس لم تشرق بعد'' سمعت عمي احمد يقول لجاره المختارمستغربا. ينضم  إليهما أخي محفوظ ليزيد الامر غموضا" لقد اتصل بي ابني مروان من العاصمة ليخبره أن الناس محتارة فعلا و الجميع هناك بدأ ينزل للشوارع متسائلا . مالذي يحدث؟ أين غابت الشمس؟











-يتبع-





هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مشوقة لمعرفة الإجابة ، أين هي الشمس ؟