الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

اليوم الثامن عشر: بين ثقافتين

اليوم الثامن عشر:
ما زلت محافظا على عاداتي الرمضانية و لم أغير شيئا منها. أبتدأ يومي بالذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الصبح قبل أن يرحل عنا شهر البركة و الحركة و نعود إلى عاداتنا الكسولة. أعود إلى المسجد برفقة صديقي و زميلي نور الدين زنانرة الذي لا تخلو احاديثه من الطرافة و اول ما نبدا به حديثنا  هو عن يومنا  السابق و كيف قضيناه ثم نعرج على السياسة  فنصب جام غضبنا على الحكومة و صاحب الجنان و شعبه و دولته و أمته و العالم اجمعين. و لا نفترق إلا بعد ان نكون قد أشفينا غليلنا و أطفأنا نار الغضب التي تحرقنا بسبب الأوضاع الحالية في البلاد و خارجها.
أطفال الغربة: مأساة
يحرص  ابن أخي جمال المقيم بفرنسا على قضاء عطلته الصيفية بين عائلته في الطاهير. لجمال ثلاث بنات أكبرهن لينة ذات الست سنوات. و لينة هذ بنت شديدة الذكاء, طيبة إلى أقصى الحدود لكنها مع ذلك سليطة اللسان صحيحة الوجه كغيرها من بنات و أبناء المهاجرين. إنها تدافع عن آرائها بكل شجاعة و لا تتنازل عن أشيائها و ممتلكاتها مهما كان الأمر و قد تصل في بعض الأحيان إلى الاعتداء على عماتها لو لمسن أشياءها. يقول أبوها أن طريقة معاملتها هذه تعود إلى طبيعة التربية و التعليم التي تتلقاها في الروضة ثم في المدرسة الفرنسية. انشغال والديها بلقمة العيش ترك البنت لقمة سائغة لمنظومة تربوية لا تعرف للدين حقا و لا للأخلاق قيمة. فكل ما يتعلمه الطفل هو حقوقه وواجباته و قد رايت DSC04348ذلك في سلوك لينة و طريقة كلامها. لقد لاحظت أنها تكرر دائما جملة قل من يعرفها من اولادنا وهي “ Personne n’a le droit de me taper” أي لا أحد يملك الحق في ضربي.أو “ jai le droit de faire cela” “من حقي أن أفعل هذا"و “Touche pas à mes affaire”.” لا تلمس أشيائي”
    أثر ثقافتنا
    رغبة جمال و غيره من المهاجرين في تحصين أبنائهم و تربيتهم على الطريقة الاسلامية جعلهم يحرصون على جلب اولادهم كل عطلة ليتعلموا العربية و يتزودوا و لو بقليل من القيم و الأخلاق التي تنعدم هناك في أرض أروبا أسوة بالعرب قديما حيث كانوا يرسلون أبناءهم للبادية لينشأوا على قيم البادية حيث الفطرة و دماثة الأخلاق و أحسن مثال لنا هو الرسول صلى الله عليه و سلم و رضاعته في البادية. لقد حضرت لينة منذ ثلاثة اسابيع فلاحظ الجميع انها مختلفة تماما عن الأطفال الذين هم في سنها من حيث الحياء و الكرم و التعاون على خدمة الأهل و احترام الوالدين و الإخوة و طاعتهم.
 الصدام الثقافي
خلال الأيام الأولى قابلت  لينة  الوضع الجديد بعناد غير طبيعي و رفض للأوامر و تمسك بفردانية و أنانية عجيبة. و قد حاول الجميع تغيير سلوكها طبعا بطريقة عنيفة كما يفعل جل الجزائريين إلا أنها كانت دائما تقابل ذلك بأسئلة تدل على نوعية التربية التي تتلقاها.إنها تبحث عن  إجابة منطقية لكل شيء.”Djeddi…pourquoi ils me tapent” “ est que j’ai pas le droit de dire non؟” جدي …لماذا يضربونني ؟” أليس لدي الحق في ان أقول لا”. مع مرور الأيام أصبحت لينة تلجأ إلي كلما رغبت في فهم شيء و استطعت بحمد الله أن أقنعها بترك العديد من السلوكات التي أراها لا تتفق مع قيمنا.
تغير إيجابي
  مع مرور الأيام تغير سلوك لينة فأصبحت أكثر هدوءا و تغيرت طباعها من انانية مفرطة إلى سخاء ليس له حدود. فقد رافقتني ألى مدينة جيجل و كعادتها لم تتوقف عن طرح الأسئلة. اشتريت لها علبة مثلجات أو أيس كريم و لم اشتر لولدي شهاب الذي بقي في البيت. سلمتها علبة الايس كريم فشكرتني ثم سألتني إن كنت قد اشتريت لشهاب أيضا. أجبتها بالنفي. فتحت علبتها و شرعت في تناولها بينما انشغلت أنا بالسياقة و سماع الراديو. و صلنا إلى المنزل بعد نصف ساعة فلاحظت انها نزلت مسرعة و توجهت إلى البيت مباشرة و هي تنادي على شهاب. سلمته علبة الأيس كريم و قد تركت له نصفها و قال له بعربية جميلة “ هاذي ليك خويا شهاب”.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

جميل هو العنوان...والاجمل هو المحتوى...
طبعا هناك مشكلة عويصة وهي اهم سبيات العيش ف الخارج ...تربية الابناء بعيدا عن القيم الاسلامية التي تجمع بين الاعتدال في كل شيئ والكرم والاخلاق الطيبة..
لكن من الرائع انك لم تواجه كل تصرفات تلك الفتاة الحسناء (لينة) التي تشبعت بالثقافة الغربية بالنظم التقليدية (العنف والقسوه) وتهيئة جو مناسب لحثها لتغيير ايجابي في تصرفاتها وافكارها..
ودي وتحياتي