لدي قصة لشاب منتحر من قرية الشحنة الواقعة بالجبال المحيطة بالطاهيرأرويها هنا لأثبت أن الانتحار ليس بخلاص أبدي. القصة رواها لي شاهدعيان و هو يرتعش خوفا مما رآه. بدأت القصة العام الماضي حينما قررت سلطات ولاية جيجل إصلاح الطريق الجبلي الرابط بين الطاهير و الشحنة . بدأت الأشغال على مستوى الشحنة بتوسعة الطريق القديم و بالطبع تطلب الأمر مصادرة بعض الأملاك العامة و الخاصة الواقعة ضمن مسار الطريق الجديد. و صلت الأشغال إلى مقبرة لأهالي الشحنة تقع بمنطقة تسمى " دار ام السعد ". تطلب الأمر الحصول على فتوى تبيح نقل رفات الموتى الذين دُفنوا هناك ثم موافقة أهاليهم. وافق الجميع لأن الأمر تعلق بمصلحة عامة. طبعا الدفن كان قد توقف منذ مدة طويلة بعد ان سمع الجميع بالمشروع و القبور كانت لأشخاص دفنوا منذ مدة طويلة. شرع الأهالي في نقل رفات موتاهم فأحضرو كل المستلزمات و اعانتهم السلطات على ذلك. سارت الأمور بشكل طبيعي رغم حساسية الموقف فهذا استخرج رفات أبيه و ذاك رفات امه و ذلك رفات ولده ولم يجدوا صعوبة في ذاك لأن جميع الجثث كانت قد تحللت و بقيت العظام فقط. استمرت العملية إلى غاية الزوال حين وصلوا إلى قبر أحدهم دُفن هناك منذ اكثر من عشرين سنة.ما إن أزاح الحفارون الطوب الأسمنتي أو الفراش كما يسميه اهل المنطقة حتى انتشرت رائحة كريهة لم يسبق لأحد ان اشتمها من قبل. عجز الجميع عن الاقتراب من القبر بسبب تلك الرائحة الفظيعة. يقول لي صاحبي أنه لم يسبق له أن رأى مثل ذلك المنظر البشع لأن الجثة لم تتحلل . تساءل الجميع عن سر هذا القبر النتن فاخبرهم أهله أن الشاب صاحب القبر أقدم على الانتحار في قرية الشحنة منذ أكثر من عشرين سنة كانت كافية لأن تتحلل كما تحللت بقية الجثث و أصبحت عظاما رميما.
اعتبر
الشرع الانتحار من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى، واتفق الفقهاء على
حرمته، لأنه تعد على النفس التي حرم الله إلا بالحق، كما قرر العلماء أن
المنتحر أعظم إثما ووزرا من قاتل غيره، وهو فاسق وباغ على نفسه. قال تعالى:
''ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك ظلما وعدوانا
فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا''. جاءت أحاديث النبي صلى الله
عليه وسلم لتشدد النكير على من فعل ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم
يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه
في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه
بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها
أبداً) رواه البخاري ومسلم. وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة)
رواه البخاري ومسلم. وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً
فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه
حرمت عليه الجنة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم من خنق نفسه في الدنيا فقتلها خنق نفسه في النار، ومن طعن نفسه
طعنها في النار، ومن اقتحم فقتل نفسه اقتحم في النار''. رواه ابن حبان. بل
جاء النهي في الإسلام فيما هو دون ذلك، مثل الدعاء على النفس بالموت لضر
نزل به، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان ولا بد فاعلاً،
فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً
لي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق