قصة حقيقية كما روتها جدتي و والدتي عليهما رحمة الله و ما زال يرويها أخي محفوظ أحد أبطال القصة
- الحمد لله يا بنتي ...الحمد لله ...أنت لا تعرفين ما حدث لنا.
تتنهد جدتي و تجلس أرضا بعد أن أخذ العياء منها كل مأخذ. تأخذ عمتي خضرة يدها و تساعدها على النهوض و تطلب منهن الدخول الى الدار بعدما بدت عليهن علامات التعب و قلة النوم.
تنظر أمي الى جدتي و عيناها تتوجسان خيفة مما سمعته من عمتي خضرة. أما جدتي فعجزت عن الكلام من هول الصدمة فتتقفز عمتي حفصية و كانت أجرأهن وقالت
- لم نره منذ دخولنا المعتقل. لقد هربنا من المعتقل هذه الليلة يا....
-يا ويلي ...ابني علي ...ابني علي ...سيقتله الفرنسيون بعد أن يكتشفوا أمر هروبنا...يا غبني على وليدي علي
تلطم جدتي خذها و تذهب مسرعة باتجاه الباب فتمسكها عمتي خضرة و قد كانت أقوى منها.
-أتركيني...دعيني أريد اللحاق بابني قبل أن يقتله الفرنسيون
-هدئي من روعك ياأمي...زوجي معه ...لن تلحقيه فقد خرج مع بزوغ الفجر
تتوقف جدتي و تتوجه الى عمتي زكية موبخة أياها
-أنت السبب...أنت السبب...أنت من طلبت منا التوقف في الدمينة...لولاك لوصلنا قبل أن يغادر ...يالك من مصيبة .
-المكتوب يا أمي...زكية ليس لها ذنب...زوجي الشيخ عمر معه.
-ما الذي سيفعله الشيخ عمر إذا علم الفرنسيون بهروبنا ...سيقتله الفرنسيون لا محالة.
-ما كان يجب علينا أن نهرب يا أمي...آه لو أنتظرنا يوما فقط
-أسكتي يا حفصية...كم مرة قلت لك أن تصمتي ...أنت لا تقولين إلا شرا...أخوك في خطر...سيقتلوه لا محالة.
-هذا من سوء حظي يا عمتي..أعتقلني الفرنسيون بعد زواجي بأسبوع و هاهو زوجي يواجه خطر الموت الآن...سيقتله الفرنسيون...يا ويلي.
-ما تبكيش يا الضريفة ...ان شاء الله ما يكون غير الخير. أخي علي لديه وثائق تثبت أنه يعمل في باريس و هو يتحدث الفرنسية .
تطمئن جدتي لكلام عمتي خضر فتجلس على الأرض بعد أن عجزت قدماها عن تحمل المزيد ليس من التعب فقط بل من هول الصدمة. تنفجر باكية و هي تنظر الى حفيدها محفوظ و هو يفرك عينيه بعد أن أحمرتا من قلة النوم و التعب و الخوف على الوالد. تسحبه جدتي الى حجرها. تمسح على شعره فينفجر باكيا. لم يمض على وفاة أمه أقل من خمسة أشهر و هاهو الآن يواجه خطر فقدان الوالد. تأخذه عمتي خضرة بين أحضانها و تضمه اليها و هي تكفكف دموعها و دموعه.
-تعال يا بن أخي العزيز ...لقد خبأت لك شيئا تحبه...لا تخف يا بن أخي ..أبوك يتحدث الفرنسية جيدا و لن يمسوه بسوء
-صحيح يا عمتي...لقد رافقته يوما الى مدينة الطاهير و قد كان يتحدث مع الفرنسيين بلغتهم و كانوا دائما يقولون له -مسيو-
-إيه صح...و ما تنساش أن جدك الشيخ عمر معه و سيخبرهم أنه لا يعلم شيئا عن هروبكم
تناوله بعض التين اليابس ثم تتجه الى الولدين فرحات و أحمد فتعطيهما من نفس الآنية بعد أن علمت أن عيونهما كانت تلتهم ما في يد محفوظ التهاما. تخرج الى فناء الدار فتطل من نافذة صغيرة تطل على الدرب الذي يصل قرية جنان عياد بالطريق العمومي. الطريق يبدو خاليا و لاأثر للحركة فيه. يزداد قلقها مع مرور الوقت فتلتحق بها جدتي و أمي و عماتي حفصية و زكية.
-هل من جديد يا بنتي؟
-لا يا أمي...ربي يستر برك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق