وصلت المجموعة الهاربة الى مشارف جنان عياد مع تباشير الصباح. يتوقف الجميع عن المشي فقد أخذ منهم التعب و قلة النوم كل شيئ. يستسلم احمد و فرحات الى النوم في حجر أمهما حفصية أما محفوظ فيسند رأسه الى كتف أمي و يفرك عيناه ممسكا دموعه عن البكاء من شدة الجوع و التعب اللذين نالا منه. تأخذه أمي في حجرها فتقترب جدتي منه تمسح وجهه الصغير بيديها و تقول له
- لقد وصلنا عند عمتك يا ولدي و سترتاح طول اليوم . نم يا ولدي...نم
- لقد اقتربنا من منزل أختي خضرة يا أمي ...صح؟
- لم يسبق لي أن سلكت هذا الطرق لكنها ليست بعيدة من هنا
تنهض جدتي ثم تلقي ببصرها بعيدا هناك في سفح الجبل و كأنها تراجع مسار الهروب فتراءت لها قرية بني متران فبازول ثم معتقل الأشواط من حيث هربن غير مصدقة أنها بالأمس فقط كانت هناك تحفر آخر حاجز للهروب .
- يا ربا ه ...كل هذه الدروب مررنا بها ليلا. أنَا لنا هذا و نحن نسوة ضعاف لا حول لنا و لا قوة؟
- ربي معنا يا عمتي.
تجيبها أمي و هي تربت على كتف المحفوظ فاستسلم للنوم بعد أن يئس من وجود الطعام.
ترتفع الشمس قليلا و كأنها تستجيب لصياح الديكة فتتأكد النسوة من أنهن قريبات من منطقة سكنية . لقد جلسن يغالبن نوما عميقا حبسه عنهن انتظار أوامر جدتي لإكمال السير. تراقب جدتي الأمور جيدا فتارة تستدير يمينا و تارة أخرى شمالا فتلمح امرأة قادمة و هي تحمل صينية زينها صحنان من الفطير و التين اليابس و كؤوس قهوة. تضعها على الأرض و تخاطبهن بلكنة بني سيار و كأنها كويتية :
- صباحتشوم بالخير و نهارتشوم مبروك. رآكم زوجي عندما أخذ البقرات الى المرعى فطلب مني السؤال عنكن. من أين أنتن و الى أين المسير؟
- يكثر خيركم. نحن من بني عافر. كنا في زيارة للطاهير و نريد زيارة دار سي اعمر بومحروق.
-آه...سي اعمر بومحروق؟ زوجته عافرية...لالة خضرة...هل هي قريبتكم؟
- هي بنتي و هؤلاء أخواتها.
- على سلامتشوم. تفضلن. بسم الله...هذا فطور الصباح.
-يكثر خيركم...ما كان يجب عليك أن تتعبي نفسك. لقد و صلنا.
- يكثر خير ربي...نحن و سيدي أعمر دار واحدة...احنا و لا هم كيف كيف –سيان-.
مازال الشك يراود المرأة السيارية. تتفحص ملابس النسوة التي مزقتها الدروب و الأحراش و أقدامهن الدامية غير مصدقة أنهن قادمات من الطاهير حيث ينتشر الاروبيون و من جاورهم من العرب. فهمت جدتي نظراتها فقصت عليها الحكاية بعدما طلبت منها كتمان السر. فضفضة جدتي جعلت المرأة تتعاطف معهن و تسرد قصتها بدورها فحكت لهن كيف أخذ الخونة الحركى ابنها انتقاما من عمه المجاهد فذبحوه أمامها. لقد كان هؤلاء الخونة أشد على إخوانهم الجزائريين من الفرنسيين أنفسهم. تواصل السيدة السيارية حديثها عن الثورة و الثوار و زيارات الفرنسيين و الخونة و ما فعلوه بهم ليقطع حديثها أزيز طائرات الاستطلاع الفرنسية و هي تنطلق كعادتها من مطار الأشواط العسكري. فيقف الاطفال مذعورين فتنطلق النسوة في رحلة هروب أخرى بدت لهن أنها بلا نهاية. حاولت المرأة السيارية اللحاق بهن و لكنهن كن أسرع فاكتفت المرأة بتوجييههن من بعيد محذرة إياهن من كمائن الجيش الفرنسي و الخونة الحركى. تتجنب جدتي المسالك القريبة المؤدية الى منزل عمتي و تسلك دروبا أخرى أكثر و عورة لكنها أكثر آمانا. هاقد و صلن الآن الى الحقل الذي غرسته عمتي خضرة أشجار قسطل . يطرقن الباب طرقا عنيفا فتخرج عمتي مسرعة. تقف مشدوهة غير مصدقة.
- يمَا...يمَا على السلامة...على السلامة يا يما ...لقد يئست من رؤيتكم مرة ثانية ...مراة خويا ...بن خويا ...حفصية زكية ...الحمد لله...لا أصدق نفسي...الحمد لله يا ربي.
-يتبع-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق