لعل ما دفعني الى الكتابة اليوم هو ما حدث للثورتين التونسية و المصرية بالأمس فقط. لقد خرج الشعبان الى الشارع من جديد محاولان النفخ في لهيب الثورة الذي بدأ في الخفوت. استغل النظامان الفرصة و استفردا بمن بقي من المتظاهرين و فرقوهم بالرصاص و العصي.و قد سبق لي أن حذرت في مقال سابق من أن تلقى الثورتان نفس مصير الانتفاضة الجزائرية في عام 1988.
نحن نتقاسم نفس الثقافة شئنا أم أبينا مع بعض الاختلافات الاقليمية حيث نبه لهذا المفكر الجزائري العظيم مالك بن نبي. إن الخطأ الذي وقعت فيه بعض اﻷطراف سواء في تونس او في القاهرة أنهم اعتقدوا أنهم حققوا المبتغى من خلال هروب بن علي أو تخلي مبارك عن الحكم كما اعتقد الجزائريون أن النظام تغير باستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد من الحكم في 11 يناير 1992( سبحان الله في نفس الشهر مع فارق 19 سنة).
لا يمكن أن يجتمع الفساد و الصلاح في شخص واحد فما بالك بنظام متجذر يفوق عمره الربع قرن. ما كان للشعبين أن يختزلا مطالبهما في رحيل بن علي و مبارك فقط بل كان عليهما الصمود و عدم مغادرة ميادين التحرير الى غاية تحقيق جميع المطالب و عدم ترك الفرصة لفلول النظام لترتيب أمورها و لملمة صفوفها لركوب الموجة من جديد بل و الاستيلاء على غنائم الثورة. و تحضرني هنا قصة وقعت لي شخصيا يوم كنت طالبا في الجامعة ذات يوم من أيام 1989.
كنا نستشعر رياح التغيير و الحرية التي هبت على الجزائر بعد خريف الغضب في أكتوبر 1988. و كانت الجزائر يومها البلد العربي الوحيد الذي هبت عليه رياح التغيير قبل ان تهب على دول المعسكر الشرقي في أروبا و تغير الانظمة الشيوعية لتصبح أنظمة ديمقراطية. فتحت أبواب حرية التعبير و الاعلام على مصراعيها و أصبحت الجزائر قبلة للإعلاميين الغربيين المندهشين مما يقع في بلد عربي افريقي كان محسوبا على المعسكر الاشتراكي. خرجت من محاضرة ﻷلتحق بغرفتي في الاقامة الجامعية فلاحظت مصورتلفزيونيا أشقرا بساحة الجامعة يصور مشهدا لفتاة و شاب خارجين من عمارةكلية الآداب الذي كانت تعلوه لافتة حديدية كبيرة كتب عليها ''الله أكبر''. تلك اللافتة تعود ﻷيام الصراع الشديد الذي كانت الجامعة مسرحا له بين الماركسيين و الإسلاميين. لفت نظري الطريقة التي كان يصورون بها ذلك المشهد. المصور كان يتعمد تصوير الشابين و هما خارجين من المدرج الى الساحة مع رفع الكاميرا الى تلك اللافتة المعلقة أعلى البناية. تقدم المخرج الألماني طالبا من المصور إعادة تصوير المشهد.
تقدمت منهم بعد أن سلمت عليهم متحدثا بالاتجليزية التي كنت أتعلمها و طلبت منهم تفسير المشهد. صمت الجميع الا سيدة عرفت من خلال كلامها أنها جزائرية تتكلم العربية و الالمانية. تقدمت الي و اخبرتني أنهم يصورون فيلما وثائقيا عن الاسرة التقليدية الجزائرية لفائدة التلفزيون الالمانيDW. فقلت لها ان من اختاروا ليمثلوا الاسرة التقليدية الجزائرية لا يحملون اي شيئ تقليدي فالشاب هو أقرب الى فتاة منه الى رجل و الفتاة هي أقرب الى خياطة منها الى طالبة جامعية. توقف الجميع عن التصوير و التحقوا بي. طلب مني المخرج أن أهدأ و شرح لي أنهم بصدد تصوير فيلم عن الجزائر لا غير. قلت لهم أني لا أعارض ذلك و لكن ليس بهذه الطريقة و لن امانع لو اختاروا طالبا و طالبة من الذين يوجدون في الساحة بدلا من هاذين المسخين. تدخلت السيدة لتشرح لي أنهم لا يستطيعون ذلك ﻷنهم قاموا بتصوير نصف الفيلم بالشابين و عائلتيهما ثم أرتني وثيقة قالت لي أنها إذن بالتصوير صادرة عن رئاسة الجامعة. واصلت السيدة اعترافاتها لتخبرني أن الشاب و الفتاة ليسا من طلبة الجامعة و لا يدرسان بها أصلا.
واصلت الجدال معهم بشأن الفيلم و ما تم تصويره و لم أكن أدري أني لم أكن وحدي بعد أن تحولق الجميع حولنا من طلبة و طالبات. لم يفهم الجميع ما كان يحدث حتى شرحت لهم ما يفعلون و سبب ذلك الجدال. يتدخل الجميع حينئد ﻷجد كل واحد يتكلم فمنهم من حاول الاعتداء على الشاب و الفتاة و منهم من راح يذكر المخرج الألماني بهزيمتهم أمام الجزائر في كأس العالم لكرة القدم في 1982. و اختلط الحابل بالنابل. يتدخل ممثلو الطلبة من الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين و الرابطة الوطنية للطلبة و غيرها و الكل يدعي أنه ممثل الطلبة و يدافع عن حقوقهم. يصعدون بهم الى شاحنة القناة الالمانية و يطلبون رؤية ما تم تصويره. تلحق بي السيدة المرافقة لبعثة التصوير و تطلب مني الصعود للحافلة ﻷني أول من طلب ذلك. أرفض و أغادر مغاضبا.
في اليوم التالي التحق بالجامعة ﻷجد بيانين مختلفين من نقابات الطلاب. البيان الأول يقول : يقظة الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين تفسد مخططا ألمانيًا للإساءة للجزائر أما بيان الرابطة فيقول: بفضل الرابطة تم كشف مخطط يشوه سمعة الطلبة في قناة ألمانية.و أعتقد ان ما حدث لي سبق له و أن و قع في بلدان كثيرة سواء في مصر أو في تونس. سيركب المتخاذلون موجة الثورة حين يعلمون انها ستنتصر ثم يتبنونها في انتظار ان يسيطروا عليها تماما.

هناك 3 تعليقات:
however, this arguement happened because of you Sir! isn't it ?
إرسال تعليق