الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

الطاهير بلاصة ماشي



سبتمبر 1995 عدت لمدينة عين صالح ﻷلتحق بعملي ففوجئت باستدعائي للخدمة العسكرية. بعد 3 أشهر استفدت من عطلة الشتاء. أخذت الطائرة الى العاصمة الجزائر ثم بالقطار الى قسنطينة حيث دامت رحلته 8 ساعات. و السفر بالقطار الى قسنطينة رغم أنه كان مرهقا إلا أنه كان أكثر آمانا. فالاوضاع الأمنية التي كانت سائدة في الجزائر جعلت السفر من الجزائر الى جيجل عبر طريق الكورنيش مغامرة حقيقية غير محمودة العواقب. وصل القطار الى قسنطينة على الساعة الرابعة صباحا. نظرت من نافذة القطار فرأيت الثلوج تكسو المدينة. و من شدة البرد أخذت أسناني تسطك. حملت حقائبي و خرجت متذكرا تلك المقولة الفرنسية l'Algerien est voyageur malgré lui. ما أن وضعت قدماي خارج المحطة حتى سمعت مناديا ينادي'' الطاهير, جيجل بلاصة ماشي''. أسرعت إليه , وضعت حقائبي و أخذت مكاني بين الركاب. ماهي إلا دقائق حتى انطلق السائق بسيارته القديمة و هي تنساب بين أزقة عوينة الفول كأنما هي ثعبان هارب. البرد شديد و بخار أنفاسنا يحجب عنا منظر الثلوج و هي تحيك لباسها الأبيض لتلف به مدينة الصخر العتيق.حاول السائق أن يستدرجنا الى الحديث و لما لم يجد استجابة منا شغل المذياع وزاد من سرعة السيارة.نال مني التعب فذهبت في نوم عميق لم أفق منه إلا وصوت الأبواب تفتح و نسمات البرد القارس تلفح وجهي.

سألت السائق أين نحن فقال لي'' نحن في الميلية'' .

  • كيفاش ؟ الميلية ؟ أنا متأكد أنك كنت تنادي على الطاهير و جيجل.

  • '' يا أخي الساعة الآن تشير الى السادسة صباحا و أنت الوحيد بيننا من سيذهب الى الطاهير, انتظر حتى الساعة الثامنة و سوف تأتي حافلة أو سيارة تأخذك الى هناك.

  • ' مستحيل, أنتظر ساعتين, هذا مستحيل.

  • يا أخي هذا مقهى أدخل نخلصولك قهوة و من بعد يدير لها ربي حل

  • دع ربي جانبا و تكلم عن نفسك. أنت من نادى الطاهير بلاصة و ليس ربي سبحانه

  • ما تتنرفزش يا انكوز . تفضن و اشرب النحنيب من عندي. قالها لي أحد الركاب بلكنة ميلية خالصة.

دخلنا المقهى, طلبت قطعة حلوى تناولتها بسرعة مع فنجان قهوة و 3 سجائر. ربت على كتف السائق و و قلت له هيا بنا حان وقت الذهاب.

_قلت عليك الانتظار الى الثامنة

أقتربت منه و همست في أذنه ''يبدو لي أنك لحد الآن لا تعرف من أكون''. أخرجت له بطاقتي العسكرية الخضراء و اعدتها بسرعة.

_اسمحلي لم أخذ بالي. الى الطاهير ...ندي حبيبي للطاهير نديه وين يحب و قفز الى سيارته

_اسمحلي بصح لو كان قلت من الاول.

جلست في المقعد الأمامي بجانبه و بدأيسرد قصته و كيف أنه قاوم الجماعات المسلحة و أنه لم يصوت أبدا لصالح الفيس و أن عائلته كلها من المقاومين.تركته يسترسل في الحديث و وجهت بصري الى تلك الطبيعة الخلابة.ترافقني مياه الوادي الكبير وهي تنساب في جمال رائع بين جبال جيجل. كانت الطريق خالية إلا من بعض السيارات. صمت السائق بعد أن لاحظ عدم اكتراثي بما يقول حتى وصلنا الى عين بوزيان حين طلب مني إخفاء بطاقتي العسكرية جيدا. لم أعره اهتماما و هوا ما جعله يكمل السير بسرعة جنونية و هو يلعنني سرا و يلعن صباح ذلك اليوم الذي نادى فيه '' الطاهير بلاصة ماشي.. بلاصة فقط.

هناك 4 تعليقات:

مذكراتي فحسب يقول...

احييك على كتاباتك الأكثر من رائعة التي جعلتني ادخل في جو الروايات

خصوصاً مع مدونةاليوم ...من غير مجاملة ...لقد شعرت بروائح لزمن تنبعث من كل مكان حولي ون شدة تأثري و توغلي في الحدث و الكلمات

غير معرف يقول...

7ata ana ki bdet na9ra fihom w 7assithom 7aja 9wya surtout ki ta7ki 3laa 7ajat saret

Djalil يقول...

Sir, i really love your stories, they seem so special ... keep writing :) good luck

rd1 يقول...

أحكيلهم يا أحسن على هذاك السكران إلي حاب يشري قرعه ريحه يخبط بيها بالسيف