الخميس، 16 ديسمبر 2010

الدروب الوعرة و الهروب الكبير- الحلقة الثانية




مسار المرحلة الثانية من الهروب الكبير باللون البرتقالي

يراود الشك جدتي في أن المنزل خاو أما الضوء المنبعث من إحدى الغرف فهو للتمويه بأن أصحاب المنزل يوجدون بداخله. تعود جدتي مسرعة الى حيث تركت بناتها الثلاثة و كنتها و أحفادها.تنحني و هي تتنقل بين أغصان الذرة خشية أن يراها أحد ثم تتوقف فجأة. تسترق السمع فإذا به صوت رجل . تكذب نفسها فتقترب أكثر. فعلا إنه صوت رجل يسأل عمتي و هي تحتضن ولديها فرحات وأحمد المنهكين من الجوع و التعب. لقد ناما في حجرها '' من أنتن؟ ماذا تفعلن في مثل هذا الوقت في مثل هذا المكان''. تقفز جدتي من بين الحشائش و تجيبه على الفور منقذة عمتي من ورطة حقيقية فهي لم يسبق لها أن كلمت رجلا عدا زوجها سعيدا و أخاها عليا. '' نحن هاربات من معتقل الاشواط . نحن من بني عافر '' يطمئن الرجل و يقدم اعتذاره بعد أن يتأخر قليلا الى الوراء. '' أنا الباسطي أقوم بنقل البريد بين المجاهدين. أما أنت يا يما فأحمدي ربي على سلامة رأسك. لقد كنت تطرقين باب معمر فرنسي يتعاون مع العسكر و غالبا ما يزورونه هنا. يبدو أنه في زيارة للطاهير. و هذه حقوله يزرعها ذرة. اسرعن بأخذ كمية منها و غادرن المكان''.
تطمئن له جدتي فتسأله عن الدرب الموصل الى جنان عياد حيث تقيم ابنتها خضرة .
-شوفي يا يما هذا طريق الدمينة هو الأقرب و الأسلم. سكانه من بني سيار فلا تخفن و اطرقن أي باب.
- ربي يحفظك يا وليدي ...الله يعطيك ما تتمنى.
  • - دعيني ياأختاه أحمل عنك هذا الطفل . مسكين لقد انهكه العياء.
  • يقول الرجل مخاطبا أمي. تنظر أمي لجدتي منتظرة إشارة منها تهز جدتي رأسها موافقة. يحمله الرجل بخفة فوق كتفيه و ينطلق بين أغصان الذرة في خفة ليست بغريبة على مجاهد مثله. تتبعه النساء بينما تتأخر جدتي لتقطف الذرة ثم تركض بعد أن ملأت حجرها. تدركهن بعد لحظات فتسألهن أين الرجل و الولد فترد عمتي زكية
  • - نحن نتبع خطواته و لكنه أسرع منا''. 
  • الله يجيبلكم مصيبة. إنه يحمل ابن أخيك الوحيد. والله يحدث له مكروه سأقتلكم جميعا.
  •         يسرعن الخطى رغم التعب. جدتي تتوجس خيفة
  • - لقد اندثر كل أثر للرجل و الولد, خلاها علي, أخذ حفيدي و هرب.
  •    تنتهي حقول الذرة عند درب جبلي حيث بقي الرجل ينتظرهن و هو يحمل الطفل . يتنفس الجميع الصعداء أما عمتي زكية فتتوجه الى أختها الجوهر هامسة '' شوفي, حفيدها أعز عليها منا نحن.فتأمرها عمتي حفصية بالسكوت لأنهن أمام رجل. يسلم الباسطي الطفل الى جدتي مقدما اعتذاره.
  • سامحوني. كان يجب علي أن أسرع ما زالت الدروب وعرة أمامي
  •  و كأنه سمع ما قالته جدتي .
  • - أنتن الآن في آمان. سرن في هذا الطريق فأذا وصلتن الى مرتفعات تكثر حقول الزيتو ن بها فتوقفن هناك.اسألن عن الطريق الى جنان عياد.. في حفظ الله.
  • - بالسلامة يا وليدي. ربي يحفظك انت تاني. لولاك لضعنا بالسلامة.
    يختفي الرجل بقشابيته بين الاشجار بينما تنطلق النسوة الهاربات باتجاه الدمينة. تتوقف أمي عن المشي و تتوجه لجدتي مخاطبة أياها:
  • عمتي عمتي هاهي حقول الزيتون تترائى لي هناك. نجونا يا عمتي نجونا
  •  تنزل أمي أخي المحفوظ من على ظهرها دون ان تنتظر موافقة حماتها. تجلس جدتي بجانبها و تأخذ الطفل من حجرها و تربت على كتفه.
  • غبني على وليدي. أنه يتضور جوعا
  • . يفرك المحفوظ عينيه ثم يفتحهما بصعوبة. تلتفت جدتي يمنة و يسرة ثم تأمر ابنتها الجوهر بالبحث عن بعض الاعواد لإشعال النار. الجو بارد و لابد من التدفئة قليلا. ما هي الا لحظات حتى تصعد ألسنة النار في السماء. يلتف الجميع من حولها. ما زال أخي المحفوظ في حجر جدته و هي تسخن يديها ثم تفرك رجليه محاولة نقل الدفء اليهما
  • وليدي الكبيدة بن الكبيدة.سأشوي لك آفوجال و سيأكل وليدي حتى يشبع
  •  تتبادل عمتي حفصية نظرات الاستنكار مع أختها زكية بينما تقوم جدتي بشواء الذرة على النار. يتناول الجميع ما تم شواؤه و ينهضن بعد أن ارتحن قليلا.

ليست هناك تعليقات: