
الزمن: أحد أيام صيف 1975
المكان: فوق شجرة التين أمام بيتنا بالطاهير
الساعة تشير الى الحادية عشرة في هذا اييوم الصيفي الحار جدا. أتسلق هذه التينة العجوز سرا خشية أن تراني أمي. لقد نضج التين أبو عنق كما يسميه أهل المنطقة وهاهي قطرة كأنها عسل مصفي تتسلل من أسفله. ''لن أنتظر حتى تنضج الكسرة يا أمي, ثم إني مللت من هذه الوجبة التي تتكرر خلال أيام الصيف. كسر ة و لبن... لن انتظر'' أتسلق الشجرة و أجلس على أحد أغصانها في ظل ظليل و أختار الثمار الناضجة جدا. واحد ...إثنان ...ثلاثة...لذيذ جدا هذا التين.... يمر جعفر ابن عمي و صديق طفولتي لم يرني فناديته و رميت له حبتين....أراد أن يصعد و لكني رفضت بأدب خشية أن ترانا أمي. يا صاحبي أنت تعرف أن أمي ستعاقبني إن رأتني وحدي فما بالك إن رأتنا معا فوق الشجرة. '' يتفهم جعفر أعتذاري و يغادر بعد أن يسحب رجله من السياج. أمد يدي لقطف حبة أخرى و ما أن وصلت إليها حتى سمعت أمي تنادي علي
- يا حسااااان....آ حسااااااااااااااااان....
أتسمر في مكاني محاولا أن لا أحدث أي صوت. تقترب أمي من الشجرة و تنادي علي ثانية...تقفز القطة مفجوعة من الشجرة فترفع أمي رأسها نحو مصدر الصوت فتراني.
- هذا أنت ثانية يا وحد الباندي...أو لم أنهاك عن هذه الشجرة؟ و ماذا لو سقطت...أزرب أنزل
أمسح فمي من آثار الأكل و أنزل محاولا مسح باقي الآثار من يدي. أصل الأرض فتأخذني من يدي قائلة
- علابالي كنت تأكل في الكرطوس...ماذا لو انتظرت حتى تطيب(تنضج) الكسرة وتاكله معها .
-لقد قتلني الجوع يا يما...و انت تعرفين أني أكره اللبن...بزاف يومين وراء بعضهم لبن... والله بزاف''.
- تعال معي...لقد جاءنا اليوم ضيف عزيز عليك يحبك كثيرا و قد أحضر لك مفاجاة
لم أنتظرها حتى تكمل و انطلقت بسرعة في الفناء. كنت أعلم أنه جدي أحمد أخ جدتي فاطمة. وجدته جالسا بالقرب من جدتي. ''جدي ..جدي ...جدي'' صحت فرحا و قفزت باتجاهه ﻷحتضنه. فتح ذراعيه ليلتقطني و من شدة القوة دفعته الى الوراء فارتطم رأسه بالجدار. أحسست أن الضربة آلمته حتى أنه نزع عمامته أو شاشيته ليتحسس موضعها. لم يقل شيئا بل أعاد عمامته الى رأسه و أخذني بين ذراعيه فرحا مسرورا. دس يده في جيبه و أخرج كيسا كبيرا من الحلوى و أخذ يدي وو ضع الكيس فيهما و أغلق يدي عليهما. كدت أطير من الفرح فقبلته من راسه قائلا
- والله توحشتك بزاف يا جدي...و الله اشتقت اليك كثيرا يا جدي..لماذا لم تعد تزورنا دائما كما كنت تفعل؟.
تسبقه جدتي لترد مكانه
- بل اشتقت الى أكياس الحلوى أيها العفريت الصغير
- اوه يا أنت...خلي الطفل...أنا أحبه و لهذا اشتري له الحلوى.
تجلس أمي بجانبي ثم تهمس في أذني
- أنت لا تعرف لماذا جاءنا جدك و هذه هي المفاجأة التي أخبرتك عنها
- جدي ...لماذا جئت اليوم؟ هل ستبقى معنا؟
نزع جدي شاشيته ليتحسس موضع الضربة ثانية ثم قال لي:
نعم يا حفيدي..سأبيت عندكم هذه الليلة و غدا سنذهب أنا و أنت الى مكان لا تعرفه و سأشتري لك شيئا ستفرح به كثيرا
أقفز عليه و أحتضنه مرة أخرى و لكنه كان حذرا هذه المرة و تفادى الجدار بأعجوبة
- مهلا يا وليدي...بالعقل و ستعرف كل شيء.
تنادي علي أمي ﻷخرج معها الى البستان.
- اصعد فوق الشجرة و أقطف في هذا الدلو ما استطعت من التين ثم عرج على الدالية و اقطف العنب و احذر ان تسقط....انتظر...هذا للضيف فلا تمد يدك اليه. ...لقد جاء جدك من أجلك فلا تخذلني
- قولي لي يا يمّا...اين سنذهب غدا أنا و جدي؟'
- أطلع برك ...ومن بعد يقولك جدك.
البقية في الحلقة القادمة'
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق