هذا شكلها فما بالك بصوتها
يوم الخميس الثامن و العشرون من شهر أكتوبر 2010. يوم خريفي لكنه مشمس دافئ. أشرقت شمسه الصفراء الساطعة بأشعتها الذهبية وسط سماء ذات لون أزرق ﻻزوردي حوّلت جبال الطاهير الى لوحة طبيعية أبدع الخالق سبحانه في تصويرها. نهضت مباشرة بعد أن رأيت تسلل خيوط الشمس بين ألواح النافذة الى غرفتي. كان هديل الحمامةالتي عادة ما تحط على عمود كهربائي يتوسط سكناتنا.و قد سمعت بعض الجيران يتحدث عن صوتها و يزعمون أنها تردد دائما جملة واحدة '' خافوا ربي'' .و لست أدري من أين جاؤوا بهذه الترجمة أم لهم كتاب فيه يقرأون؟و رغم أني ﻻ أصدق و ﻻ أؤمن بكثير من الغيبيات التي ما أنزل الله بها من سلطان و التي تسيطر على حياتنا إﻻ أني أكاد أجزم بصدق واحدة منها وهي قضية الحمامة التي تسمى في منطقتنا '' معيرفة' و بالفرنسية'' Tourterelle''. هذا الطير الذي رغم تحريم الإسلام للتطير فقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم'' الطيرة شرك بالله'' إﻻ أن حكايتي مع هذا الطير المشؤوم تجعلني أتوجس خيفة و تشاؤما من سماع صوته او قُل نحيبه.
صورة 2 : حمامة خافو ربي
قصتي معها بدأت مع وفاة أبي في عام 1972 و كانت تلك الحمامة تختار ظلمة الليل لتعكر صفو حياتنا فتحط على شجرة سنديان (بلوط) امام بيتنا ثم تبدأ في عزف لحنها الجنائزي فكانت جدتي رحمها الله تخرج حاملة حجارة فتقدفها بها. مر أسبوع و نحن على هذه الحال حتى وصل نبأ وفاة أبي بباريس. مر زمن طويل بعد ذلك فنسيت ذلك الصوت حتى سنة 1983 حيث مرضت جدتي مرض الموت فتوقفت عن اﻷكل و جاءت تلكم الحمامة كنذير شؤم فحطت فوق بيتنا و أمضت اليلة تعزف نفس اللحن الجنائزي فما أصبحنا الى وجسد جدتي في التراب .و كان علي أن أنتظر 26 سنة ﻵتأكد من شؤم هذا الطير و اني ﻷتذكر والدتي رحمها الله و هي تنهرها بعود المكنسة بعد أن حطت مقابل دارنا قائلة لي '' لقد جاءت من أجلي هذه المرة'' فلم تكمل أمي أسبوعا حتى ووريت التراب. ولست أزعم هنا أن هذا المخلوق له القدرة على تقرير مصائرنا و لكن تكرار حدوث الشيء نفسه أمر محير.
كان هذا اليوم بداية لعطلة الخريف التي ستدوم أسبوعا تقريبا حيث تقرر أن تكون العودة يوم الأربعاء المقبل. وهي فرصة لي ﻷستريح قليلا قبل العودة للتدريس.
في المساء التقيت زميلي نور الدين زنانرة بالثانوية فبادرني بجملة اقتبسها من مدونتي السابقة والتي ذكرت فيها عمي يوسف زنانرة ثم أثنى على ما كتبته مبديا رغبته في إنشاء مدونة فطلبت منه التعليق على ما أكتب حتى لو كان انتقادا. ساعة بعدها التقيت بتلميذ أدرسه فأبدى إعجابه بالمدونة خاصة قصة الهروب الكبير التي يتلهف لمعرفة بقيتها. و المشكلة ان الوقت أصبح بالنسبة لي ضيقا جدا إذ اصبحت ﻻأجد الوقت حتى ﻷتناول طعامي فما بالك بالجلوس أمام الحاسوب.
نسيت أن أذكر أن تاريخ هذا اليوم يمثل بالنسبة لي الذكرى الثانية عشرة لعودتي من عين صالح او قاعة انتظار جهنم كما كنا نسميها نحن معشر أساتذة ثانويتي عين صالح القادمين من الشمال . ﻻزلت أتذكر زملائي في الشقة رقم 5 رابح بن قبايلي من البليدة, كريم بن قاضي من العاصمة, محمد محرش من السوقر بتيارت , يزيد أوشفون من سطيف دون أنسى نزﻻء الشقة رقم 2 اسماعيل مناصرة و زعتر معمر من باتنة و نزﻻء الشقة رقم واحد آكلي يحي و شير آكلي من بجاية و المهرج الأكبر عمار مرواني من سطيف و الجيلالي من تلمسان والذين جاؤوا من بعدهم رضوان شطروب من باب الوادي, عبد الحاكم محمد من الاغواط و عنان عبد الكامل من خنشلة فأقول لهم شكرا وإن كنت متأخرا فقد كانت السنوات الست التي قضيتها معكم جواهر ثمينة بقيت تزين عقد حياتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق