-->
غدا
سأحن إليها.
الزمان :
جويلية 2000
المكان :
أحد بيوت الطاهير
- تصبح على خير يا ولدي . سأذهب ﻷحضّر لك بعض الكسرة -الخبز- تأخذها معك الى فرنسا. سوف أحرص على أن تبقى دافئة. هل تأكدت من أنك لم تنس شيئا.
- لم أنس شيئا يا أمي...وثائقي وضعتها في حافظة اﻷوراق أما ملابسي فلن آخذ منها شيئا. لا أريدها
- يقولون يا بني أن برودة باريس لا تحتمل...احمل معك بعض الملابس الصوفية.
- والله لن تتبعني...نحن في الصيف يا أمي
- هل كلمت سليمان؟ هل سينتظرك في المطار؟
- نعم يا أمي...و لقد وعدني خيرا. والله أشعر و كأني طفل صغيرمع أسئلتك هذه.
- أنت كذلك...ستظل صغيرا في نظري حتى تنجب أطفالك و تعرف معنى الأمومة.يدخل مهدي حاملا بين يديه علبة كرتون تم تغليفها و إغلاقها بإحكام.
- خويا جمال...هذه علبة أرسلها لك جارنا سميرﻷخيه لخضر.
- أوه إنها ثقيلة . والله ندمت على أن أخبرتهم بسفري هذا. كيف لي ان أحمل كل هذا؟
- كم مرة قلت لك أن تقضي امورك في سر و كتمان. كيف ستحمل كل هذا؟يفرغ جمال الحقائب كلها لعله يجد مكانا فيها لعلبة الكرتون و بالكاد وجد حيّزا صغيرا فحشرها حشرا مزق معه حقيبته الجديدة. وقفت امه على منظره و هو يحزم امتعته من جديد فأطلقت سراح تنهيدة كادت تحبس انفاسها. نسيت المسكينة ما أوصته به اول مرة و هو يحزم امتعته فراحت تحذره من رفقاء السوء ثم أوصته بإخوته خيرا . أما جمال فلم يكن يولي اهتماما لما كانت تقول. أكمل المسكين غلق الحقيبة الأخيرة و لكنه اعاد فتحها من جديد فأخرج منها ألبوم صور إخوته و والدته و أبيه و راح يمسح بأيديه على الصورة تلو الأخرى. كانت امه تشاهده و هو يفعل ذلك فاغرورقت عيناها بالدموع و انسحبت بسرعة الى المطبخ خشية أن يراها. أما هو فجلس على السرير مقلبا ناظريه في غرفته كأنه يريد حفظها شبرا شبرا.
- أمي ...أمي ...أين أبي؟ ألم يعد بعد من صلاة العشاء؟تكفكف دموعها بسرعة و تلحق به في غرفته
- كلا يا ولدي. أخبرني أنه سيعرج على أحد معارفه وعده أن يقرضه مبلغا بالعملة الصعبة.
- قلت له أن ما معي سيكفيني. لا داعي أن يورّط نفسه في مزيد من الديون.
- يريد أن يطمئن عليك يا ولدي. حذار أن تفرط فينا يا ولدي. نحن نعول عليك لتخرجنا من هذه المحنة. حذار أن تبتلعك فرنسا و تنسى إخوتك.يدخل والده حاملا في يده كيسا بلاستيكيا أغلق بإحكام.
- هذا خبز محشي بالتمر بعثه صديقي يوسف ﻻبنه عمار.
- ما هذا يا أبي. ألا ترى معي كل هذه الحقائب؟ كيف سأحملها؟ والله بزاف والله بزاف...والله ما يحشموا.
- و ماذا أردتني ان أفعل؟لقد أقرضني الرجل مبلغا بالعملة الصعبة ثم سلمني الكيس. هل كنت سأقبض المال و أدع الكيس...هذه ليست مروءة يا بني.يعيد جمال فتح الحقائب من جديد يساعده في ذلك والده أما والدته فانسحبت الى المطبخ لتحضر الكسرةلجمال. ترك اﻷخير والده يتدبر أمر الكيس و جلس مجددا على السرير و سرح بعيدا بخياله الى عاصمة الجن و الملائكة حيث سينزل في مطارها غدا قادما من قسنطينة. لقد رتب كل شيئ مع سليمان حيث سيقيم معه لمدة شهر يبحث فيها عن عمل في باريس ثم عن سكن مع أحد أبناء المنطقة و ما اكثرهم هناك. لقد وضع لنفسه هدفا و هو إخراج عائلته من المعيشة الضنك التي تحياها. سيبقى في باريس حتى يحقق أحلامه و لو تطلب اﻷمر سنوات بعيدا عن عائلته. سيشتري السيارة التي طالما حلم بها. حاول الاستمرار في حلمه الجميل و لكن رائحة خبز أمه وصلت الى أنفه فأنسته ماكان فيه. نظر إلى أمه هناك و هي تقلّب الكسرة بيديها فوق النار بمهارة عجيبة فيستغرق في النظر إليها ثم يقول : « غدا سأحن إلى رؤية أمي و كسرة أمي ...يا ويحي »
هناك تعليقان (2):
سؤال : من هي التي ستحن إليها غدا ؟
يا شريك الغربة سعدت كثيرا بتصفح المدونة وهذه العبارات الجميلة. دام ألقك
السوري الجريح
http://www.woundedsyrian.blogspot.com/
إرسال تعليق