الأحد، 13 نوفمبر 2011

حين يضيق صدرك

     كانت الرحلة التي قادتني قبل العيد الى العاصمة القشة التي قصمت ظهر بعيري. أخذت عائلتي يوم الثلاثاء الذي صادف أول نوفمبر و توجهنا الى العاصمة على الساعة العاشرة و النصف ليلا. الطقس كان باردا في الخارج فكان علي ان أشغل مدفأة السيارة أما ماسحات الزجاج فلم تتوقف عن العمل حتى وصلنا الى مشارف مدينة شلغوم العيد حتى أنه خُيل إلي أنها كانت تقول لي "عقرت بعيري يا أحسن فانزلي". و تجنبا للنوم الذي قد يقذفني أنا و سيارتي خارج الطريق شغّلت المذياع بصوت مرتفع و طلبت من زوجتي الجالسة بجانبي  عدم النوم و التحدث إلي من حين لآخر. سخرت من قولي زاعمة أنها لا يمكن أن تغامر و تتركني أقود سيارتي لوحدي في الطريق السيّار و في مثل هذه الليالي الحالكات. طول الطريق و تشابه جوانبه مع الجو الدافئ داخل السيارة أشعرني بالتعب لأول مرة و أنا أقرأ لافتة الانحراف باتجاه مدينة تاجنانت. قلت لزوجتي دون ان استدير إليها أننا قطعنا نصف المسافة الآن فلم أسمع ردّها. نظرت إليها فوجدتها تغط في نوم عميق.
       لم أشأ أن أوقظها فخفضت صوت المذياع بعد أن رأيت الأولاد في المقعد الخلفي للسيارة و هم يرافقون والدتهم في رحلة الخلود إلى النوم. بدأ الشعور بالنوم يسيطر علي و كثر تثاؤبي بعد أن تجاوزت مدينة العلمة بقليل. خطرت ببالي فكرة و هي الدخول الى مدينة سطيف لأخذ قسط من الراحة و تناول فنجان قهوة. خرجنا من الطريق السيار و دخلنا مدينة سطيف. جبت شوارع المدينة زنقة زنقة فلم أعثر على محل مفتوح حتى وصلت الى مشارف عين الفوارة حيث لاح لي ضوء مقهى فتوقفت و اشتريت بعض الحلويات للأولاد و فنجان قهوة بدون سكّر لي. ركبنا السيارة من جديد و انطلقنا باتجاه الجزائر العاصمة بعد أن جاوزت الساعة الواحدة صباحا. الرشفة الثالثة من تلك القهوة طيّرت النوم من عيني و جعلتني أشعر أن استيقظت منذ قليل فقط بعد أن شبعت نوما. تناول الجميع قطع الحلوى و عادوا الى نومهم بعد أن تغطوا جيدا بسبب البرودة الشديدة التي تميز الهضاب العليا الجزائرية.
    صوت المذياع كان رفيقي في طريق موحش غابت فيه حركة السيارات فشعرت و كأني الوحيد الذي سيدخل العاصمة صباح الأربعاء. كنت أقود سيارتي بسرعة 140 كلم في الساعة  كعادتي في الطريق السيار و عيني  على مؤشر حرارة المحرك الذي بدأ في الصعود باتجاه الخط الأحمر. الساعة الثانية و النصف اشتعل مربع أمامي يامرني بالتوقف STOP. درجة حرارة المحرك بلغت الحد الأقصى. خرجت عن الطريق و أوقفت المحرك مباشرة. الطريق خالية من أية حركة و المكان موحش. نظرت الى وجه زوجتي فوجدتها مذعورة من هول المكان و الموقف. استيقظ الأطفال و نظروا إلي خائفين مذعورين. ترجلت من السيارة و ذهبت الى المحرك متظاهرا أمام الزوجة و الأولاد بأني خبير ميكانيكي رغم أني لا أفهم شيئا في هذا المجال سوى ما علمني مرزوق الميكانيكي  في كيفية إضافة الماء الى المحرك. فتحت الغطاء فلم أرى ماء يسيل و لا هم يحزنون. اكفهرّ وجهي و عجزت عن فعل شيئ أما الزوجة و الأولاد فكانوا ينظرون الي نظر المغشي عليه من الموت بسبب وحشة المكان و ظلمته و غياب حركة السيارات. فجأة تتوقف سيارة من الجهة الأخرى للطريق فيصفر وجه زوجتي من الخوف و هي تنظر اليها مستذكرة ما سمعته عن عصابات الطريق السيار. 

-يتبع-

ليست هناك تعليقات: