الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

حين يضيق صدرك-3--

    كانت الساعة تشير الى الرابعة صباحا حين وصلنا الى مشارف مدينة البويرة.  بدا لي أن الطريق مازال طويلا رغم أن  ما تبقى منه لا يزيد عن 160 كلم. احتجاج الأطفال ووالدتهم على الافراط في السرعة دفعني الى تخفيضها.  و صلنا الى منعرجات الاخضرية  و مضائقها الجبلية الوعرة التي  امتزجت مع ظلمة الهزع اﻷخير من الليل لترسم لنا مشهدا يبعث على الرعب و الريبة مما هو قادم.  نصل الى أول حاجز امني نصبه العسكر  في طريق معبد ضيقته صخور جبل عال من اليسار و نهر عابر سبيل على اليمين. نظرت الى المرآة فرأيت ثمة الأولاد يغطون في نوم ملائكي جميل بعد أن طمأنهم  صوت المذياع الخافت و القرآن الذي كان يتلى منه مع تباطؤ سرعة السيارة و دفء البطانية التي ألقتها عليهم والدتهم فارتدوا معها كأنما هم قطط صغار منكمشة تحتها.    أما انا فاشتد البرد قسوة علي وبدأ يتسرب الى قدمي, شغلت مدفأة السيارة من جديد ورحت أزيد في سرعة السيارة خيفة حتى لا أوقظ شهاب الذي يكون اول من يشعر بها فيطلب من ان أخفضها.
     نحن الآن على مشارف بومرداس و لافتة الطرق تشير الى أننا اقتربنا من سوق تيجلابين للسيارات. توقفت عن النظر الى ساعة السيارة منذ أمد بعيد مركزا بصري على لوحة القيادة و مؤشر الحرارة فيه. السيارة بخير و تتجاوب مع أوامري بسلاسة عجيبة جعلتني أنسى ما فعلته بي في ذلك المكان الموحش في تلك الظلمة القاتمة.
      و في لحظة انتقال عجيبة نسيت الزمان و المكان و انتقلت بخيالي الى عام آخر هو مقبل في أحلام اليقظة الجميلة العطرة كأنني مراهق شاب يرسم أحلامه و طموحاته على رمال شاطئ زيامة المنصورة الخلابة. تخيلت نفسي و انا أقود سيارة غير هذه السيارة و في طريق غير هذه الطريق. الحلم بدا جميلا بعد أن أضفت اليه القليل من شطحات خيالي الجامح . سيارة فورد فوكس لا يزيد عمرها عن الثلاث سنوات كما يود الجزائريون و بكل المواصفات. تخيلت ولدي اﻷصغر شهابا جالسا بجانبي و هو يترجاني كما يفعل دائما أن أدعه يتولّى القيادة كما تطلب منا فورد في إعلاناتها التي تسيل لعاب الحالمين مثلي. تخيلت نفسي وأنا أنظر الى صالون السيارة المريح ممسكا المقود ممرا يدي على أطرافه المطلية بالكروم اللماع. أشعلت اضواء السيارة في لوح القيادة فبدت جذابة كانما هي مركبة فضائية و خاصة امتزاج اللون اﻷحمر  مع اللون الأزرق و تقاطعهما. الحلم يزداد تشويقا مع انطلاقنا نحو جنوب الجزائرفي رحلة سياحية ليرى اﻷولاد شساعة بلادهم و قوة سيارة والدهم و متانتها في الطرق الصحراوية. تخيلت نفسي أقود السيارة الجديدة بسرعة فائقة و شهاب ورائي يطالبني على غير عادته بزيادة السرعة ﻷنه يشعر أن السيارة الجديدة تسير ببطء شديد رغم أنها بلغت ال160 كلم في الساعة و نحن بين بسكرة وورقلة. . ضاعفت سرعة السيارة تلبية لطلبه  غير أن يوسف انتفض من نومه مفزوعا و هو يقول'' خفّض السرعة يا أبي...هناك طقطقة في الجهة اليمنى للسيارة.شعرت و كأنه خرج من وراء ستار المسرح حيث كنت أشاهد حلمي الجميل لينهي العرض. دست على مكبح السيارة مرغما في حركة سريعة و خرجت من الطريق السريع. الساعة تشير الى الخامسة و النصف صباحا. لقد وصلنا الى مشارف العاصمة.  

ليست هناك تعليقات: