اليوم الخامس عشر من رمضان أو منتصف الشهر الفضيل مر سريعا لأني لم أنم في يوم مثلما نمت هذا اليوم. و السبب يعود للجهد الذي بدلته أمس في طلاء غرفة ثم السهر الذي امتد حتى السابعة صباحا. أيقظتني زوجتي على الساعة الثانية عشرة و النصف لسببين: التسوق فقد نفذ كل ما اشتريته من الثلاجة اللعينة فدقت ساعة الحسم أما المهمة الثانية فهي أخذ ولدي يوسف الى الطبيب بعد أن تعرض الى وعكة صحية. أول ما فكرت فيه حين الاستيقاظ هو رمضان المقبل إن بلغنا أياه المولى عز و جل هو كراء غرفة في فندق بعيدا عن الطاهير حتى أقضي رمضانا سلميا. نهضت من سريري فجلست على حافة السرير و انا عاجزعن فتح عيني من شدة الرغبة في العودة الى النوم.
- أعيدي ما قلت من فضلك ...ما بها الثلاجة هل توقفت عن التبريد؟
- هي فارغة...نحن في رمضان...لم يبق شيء لتحضير فطور اليوم
- و ما علاقة ذلك بيوسف ؟...واش بيه؟
- يوسف مرض هذا اليوم أنه يتقيأ منذ الصباح
- ربما أكل شيئا أفسد معدته. سوف يتحسن أعطه بعض النعناع و ابعثيه للسوق يشتري ما تريدين.
- الطفل لا يستطيع الوقوف و انت تقول لي ابعثيه للسوق. اللهم إني صائمة.
-سوف أكتري شاحنة و آخذ الثلاجة اللعينة فيها الى سوق الخضر و املأها عن آخرها.
- ماتنساش كسوة العيد للولدين ...رأيت النسوان أمس في شارع المجاهدين لم يتركن شيئا الا و اشترينه. أما البنت لإانا أدبر راسي ...خليلي المال الكافي لكسوتها.
لست أدري كيف كتمت غيظي و لكني أعلم أن آذان الظهر ذكرني بالصلاة فنسيت الأمر بعد أن توضأت و صليت الظهر و أخذت يوسف للطبيب . رأتني جارتنا التي تشتغل في تلك العيادة و لأني لاأكلمها و أعرف أنها فضولية جدا فأرادت ان تعرف سبب زيارتي للطبيب فأخذت تذهب و تجيء حتى جاء دوري حتى إذا خرجت وجدتها عند الباب تنتظر للدخول للطبيب. استعذت بالله من الشيطان الرجيم و سألت نفسي عن سبب ذهابها كل ليلة لتأدية صلاة التراويح في المسجد. و توجهت لمكتب البريد بالطاهير و اول ما رأتني الموظفة كشرت عن أسنانها و أخبرتني بكل برودة أنه لا توجد سيولة نقدية. اتجهت مباشرة الى جيجل فزرت مكاتب البريد مكتبا مكتبا و زنقة زنقة و جميعها اتفق على رد واحد "لا توجد سيولة نقدية" لعنت اليوم الذي عملت فيه عند الحكومة و اتجهت الى أولاد بوالنار. لم أدخل المكتب لأن الموظف علق لافتة بالباب بفرنسية جميلة " Pas d'Argent" و تعني لا يوجد مال. قررت أن لا أعود الى البيت دون أجرتي فواصلت طرقي باتجاه العوانة و بمكتبها سحبت كل أجرتي و قفلت راجعا.
الى شارع الشورى بجيجل توجهت بغرض شراء كسوة العيد للولدين. دخلت المحل الأول فوجدت رجلان يشتبكان لفظيا و كاد الأمر يصل الى استعمال الأيدي. أحدها كهل كبير و الآخر سلفي عرفت فيما بعد ان الكهل اتهم السلفي بالخداع و استعمال اللحية لخداع الناس. خرجت من المحل و توجهت الى المحل الثاني. الملابس إما تركية أو فرنسية اخترت منها أجودها . كنت الرجل الوحيد الذي دخل المحل دون مرافقة زوجته. حمدت الله على ذلك و أخذت أنظر الى ذلك الرجل الذي كان يوصي زوجته همسا أن تختار الملابس الرخيصة الثمن فنهرته متعللة بأن زميلتها في العمل اشترت من ذلك المحل لبنتيها بمليون سنتيم. نظرت يمنة فلفت نظري رجل في سني جالس على كرسي بينما زوجته تنتقي ملابس أولادها و لم أعرف هل جلس بسبب التعب أم بسبب الغضب. سحب الرجل نقوده من محفظة و أخذ يعدها مرة و مرتين كأنه يودعها او سيصلي عليها صلاة وداع. و ضعت السيدة الملابس التي أختارتها في كيس و رمقت زوجها بنظرة حادة انتفض الرجل من مكانه كجندي يطبق أمر سيده و اتجه مباشرة الى الصندوق فدفع ثمن الملابس. لم يعد له التاجر من تلك الأوراق التي دفعها سوى قطعة 100 دينارمعدنية قائلا له" هاك هذه اشتري بها قلب اللوز للأولاد و صحة فطورك"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق